إن العالمَ كلَه لم يعرفْ وقتاً تداعت فيه الأزماتُ على الدولِ مثلما هو الحال الآن، ولعل الشعور العام بتفاقم تلك الأزماتِ وإدراك تداعياتها ينبع من انتشارِ وسائل الإعلام الرقمية، فنشأت حالةٌ من الزخم المعلوماتي والخبري لدى الأفراد، وأصبح التعاملُ مع الأزمةِ يأخذ أبعاداً عديدةً ومركبة، علماً بأن إدراك الجمهورِ للأزمة متباينٌ ومتطورٌ متأثراً بالزمان والمكان.
إنَّ الإهتمام بمتابعة الأزمةِ والتعاطي معها يتغيرُ ديموجرافياً وسيسيولوجياً ليعكس حالةً جدليةً حول التراكم المعرفي والتفاعل الواعي واللاواعي مع ما يعرض في وسائل الإعلام من أزماتٍ باختلاف أنواعها، وهل لذلك علاقة بأطرِ معالجةِ الإعلامِ للأزماتِ وتباينِ استقبالِ الجمهورِ لها، ربما هذا ليس بناءً على مدى خطورةِ الأزمةِ في حد ذاتها، بل على متغيرات وسيطةٍ متشابكةٍ أدت إلى اعتياد المتلقي على التفاعلِ الشديد مع أزمات محددةٍ تقع في أماكنَ معينةٍ من العالم، واعتياد أزمات تقع في مناطق أخرى!
وقد خصصت دوريةُ Arab Media & Society هذا العدد الخامس والعشرين لمناقشةِ علاقة الإعلامِ بالأزمات في واقع يموجُ بالتغيرات والتطوراتِ المتلاحقة، وقد تنوعت الدراسات المنشورة في العدد لترسمَ خريطةً معرفيةً لمدركاتِ الأزمةِ وحدودها في وسائل الإعلام، كما اتسمت بتنوع مناهِجها ومداخِلها النظرية لتقدم للقاريء خلاصاتٍ علميةً رصينةً تكون دليلاً موثوقاً لبناء رؤيةٍ عميقةٍ حول موضوعٍ مهمٍ وحالي.
كما تحاولُ Arab Media & Society أن تتكاملَ بموضوعاتها مع الأحداثِ الجاريةِ وما يخدمُ المجتمعَ بمفهومه الواسع، بما يفرضُه الضميرُ العلميُ على المجتمعِ الأكاديمي ليقومَ بدوره المنشود، ولتكن Arab Media & Society ذراعَ بناءٍ بحثي ونقطةَ ضوءٍ نحو مستقبل أكثر استقراراً وسلاماً.