Home / عربي / الإعلام ومواجهة الأزمات

الإعلام ومواجهة الأزمات

تمهيد:

في ظل تفاقم الأزمات في مختلف مناحى الحياة السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وعلى كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية في العقود الأخيرة بشكل خاص، برز موضوع الإعلام والأزمات، أو إعلام الأزمات بكل وسائله التقليدية والجديدة، المقننة والبديلة وإعلام المواطن، وبمستوياته المختلفة الوطنية "المحلية" والقومية والإقليمية، والدولية الموجهة للآخر، خاصة في عصر الإعلام الفضائي والإعلام بلا حدود وإعلام الإنترنت كركن أساسي من أركان مواجهة الأزمة واحتوائها.

وصارت عملية إدارة الأزمات إعلاميًا تخصصًا علميًا له قواعده ونظرياته وأسسه وآلياته واستراتيجيته، تهتم به المؤسسات التعليمية الأكاديمية والبحثية والمؤسسات الإعلامية والسياسية والدبلوماسية، كما حظى إعلام الأزمات "إعلام المواجهة" باهتمام القيادة العليا فى أغلب دول العالم.

ومن أمثلة ذلك ما تحظى به المناظرات السياسية بين مرشحى الرئاسة فى أغلب دول العالم المتقدم، مثل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، وتعليقات وانتقادات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى ومطالبته الملحة للإعلام الوطنى والعربى والأجنبى بتحمل المسئولية المهنية والأخلاقية والمجتمعية فى مواجهة الأزمات ومعالجتها بلا تحيز أو التعامل بمكيالين، بما في ذلك معالجة أحداث وأعمال العنف، أو مقاومة الإرهاب، أو التطرف الفكرى، أو الخروج عن القانون، أو الأزمات الأقتصادية أو الأمنية وتفشى الفساد وغير ذلك.

وهكذا يتضح اتساع وتعدد مجالات إعلام الأزمات "إعلام المواجهة وإعلام الطواريء"؛ مما يجعل من الأهمية بمكان تناوله من زاويا مختلفة، وهو ما يجعلنا نركز فى هذا المقال تحت عنوان "الإعلام ومواجهة الأزمات" على النقاط الثلاث الآتية:

أولًا: أهمية الإعلام أثناء الأزمات ... الأسس والقواعد.

ثانيًا: التأثيرات السياسية للإعلام فى أوقات الأزمة.

ثالثًا: مصداقية وسائل الإعلام أثناء الأزمة.

أولًا: أهمية الإعلام أثناء الأزمات ... الأسس والقواعد:

فى ظل التطور الهائل لإمكانيات وسائل الإعلام المختلفة التقليدية والجديدة، تعاظم دور الإعلام فى التعامل مع الأزمات بشكل خاص، وأصبح من الأهمية بمكان الالتزام والاستناد فى المعالجات الإعلامية للأزمات على  القواعد والأسس العلمية لإدارة الأزمة، أيًا كان مجالها، من جانب القائمين بالاتصال (إعلاميين أو سياسيين أو دبلوماسيين أو مسئولين) ومن هذه الأسس والركائز نذكر:

(1) أصبح الإعلام عبر وسائله المتعددة أداة التفاعل بين الأزمة والكثير من أطرافها وحتى من ليس طرفًا مباشرًا فيها، كما لم يعد ممكنًا التعتيم أو الصمت الإعلامى على أية أزمات مهما تفاوتت في حدتها أو حجمها، فعلى سبيل المثال، كان يمكن في الماضى للسلطات في أية دولة عدم نشر المعلومات بشأن أية كارثة أو أزمة قد تقع في محيط الدولة، مثال على ذلك "لم يعرف العالم شيئًا عن حادثة انفجار مفاعل تشيرنوبيل إلا بعد عدة أيام من وقوعه"، وقد أصبح إخفاء أو تجاهل أية أزمة في عصرنا الحالي أمراً شديد الصعوبة، وبالطبع فإن درجة الاهتمام الشعبى محليًا وإقليميًا ودوليًا بأية أزمة تتفاوت من أزمة لأخرى، ولكن يظل لوسائل الاعلام دور رئيس في التعريف بها والتفاعل مع مجرياتها.

(2) الإعداد الدقيق لإدارة الأزمة، وذلك بتقدير حجم وقوة وتأثير الإعلام المضاد محليًا أو خارجيًا، وعدم الانفراد بإدارة الأزمة إعلاميًا دون مشاركة جهات الاختصاص المسئولة عن طبيعة الأزمة.

وعلى سبيل المثال، فإن التحرك الإعلامى الداخلى لاحتواء أزمة اقتصادية داخلية يكون في سياق التشاور مع الوزارات والهيئات والمؤسسات المعنية والخبراء ذوى الصلة، والتحرك الإعلامى الخارجى يكون من خلال الخطاب السياسي والتحرك الدبلوماسي على المستوى الخارجى والدولى.

(3) الاعتراف بوجود أزمة، بمعنى عدم إنكارها وتوجيه الرسالة الإعلامية الصحيحة المتصلة بها، ومنها على سبيل المثال قيام المسئول الإعلامى أو المتحدث الرسمى بتحديد الأسئلة المتوقعة والإجابات المناسبة لها قبل بدء أى لقاء إعلامى، مع مراعاة أن التصريح لوسائل الاعلام بمعلومات أو بيانات غير صحيحة، أو التهرب أو الامتناع من الإجابة على أسئلة معينة يأتي بنتائج عكسية غير مرغوب فيها.

ومن هنا، فإن البحث عن حل أمثل أو على الأقل حل أفضل بين البدائل المتاحة هو أساس التسوية السليمة للأزمة.

(4) رصد الدروس المستفادة من الأزمة قبل طى ملفها، ومثل تلك الدروس يشكل تراكمًا معرفيًا لا غنى عنه لمواجهة أزمات المستقبل قبل أن تنشب وتستفحل، كما يشكل التراكم المعرفى  بدوره مرجعيات لتدريبات الإعلاميين من واقع الخبرات المكتسبة.

ويلخص الشكل الآتي إجراءات أزمة الاتصال:

ثانيًا: التأثيرات السياسية للإعلام في أوقات الأزمة:

في أوقات الأزمات تتم إعادة تشكيل للعلاقات بين الأمم والدول والشعوب والحكومات والمواطنين، وقد أفرز ذلك ما يعرف بالتأثير السياسي لوسائل الإعلام والذى لخصه كثير من الدراسات فيما يأتي:

 1- سعي وسائل الإعلام الدائم لجذب الجمهور وزيادة أعدادهم، من خلال تقديم أشكال متنوعة من القوالب الإعلامية، كبرامج التوك شو والبرامج الحوارية وبرامج السخرية، التى قد يبدو بعضها دون مضمون سياسى، وإن كان في الحقيقة لا يخلو من دلالات وإسقاطات سياسية.

2- ثقة المتلقين فى صدق ما تقدمه وسائل الإعلام من معلومات (مصداقية الوسيلة، مدى توافق ما تقدمه مع ميول المتلقى واتجاهاته السياسية).

3- الكم الهائل من الرسائل الإعلامية التى تقدمه وسائل الإعلام يوميًا يجعل العامة منهم (البسطاء) غير قادرين على إدراك حقيقة الموقف، إلا من خلال ما تطرحه تلك الوسائل باستثناء الأشخاص ذوى المعرفة والوعى السياسي المرتفع، الذين يكونون أكثر قدرة على فهم وتحليل ونقد ما تقدمه لهم تلك الوسائل.

ومع ظهور وانتشار وسائل الإعلام الجديد أسهمت بدورها فى:

تجميع الأشخاص ذوى الاهتمامات المشتركة، ووجد البعض فيها وسيلة للتنفيس عن اتجاهاتهم، بينما اكتفى البعض الآخر بمراقبة ومتابعة الأحداث من خلالها دون مشاركة فعالة في النقاشات.

وهكذا أسهمت شبكات التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام الجديد التفاعلية في التعبئة والنضال السياسي فى الأحداث التى شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة (ثورات الربيع العربي، وتهديد شرعية بعض الأنظمة، والإطاحة بأنظمة وحكام مجموعة من الدول).

وفيما يأتي نعرض لكل من:

(أ) التأثيرات السياسية للإعلام التقليدى (التليفزيون نموذجًا):

تتعدد أوجه التأثيرات السياسية التى تحدثها المعالجات التليفزيونية لمواجهة الأزمة، ومنها:

(1) التأثير المدروس في العملية السياسية.

(2) التأثير في صنع القرار السياسي.

(3) اللامبالاة السياسية political apathy .

(4) التسويق السياسي political marketing .

(5) تأثير البرامج الحوارية في منظومة المعرفة السياسية والقيم المجتمعية للمتابعين لها بشكل مكثف (كثيفى التعرض)، وفي تكوين صورة ذهنية سلبية لدى الأفراد عن أنفسهم وحكوماتهم ومشكلاتهم.

(6) عدم التوازن في تناول الموضوعات السلبية والإيجابية مقابل التركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات.

(ب) التأثيرات السلبية للإعلام الجديد (الفيس بوك نموذجًا):

وتتلخص فى:

(1) إثارة الرأى العام أو إعادة توجيه الرأى العام.

(2) تشتيت الرأى العام.

(3) التشويه السياسي الإلكترونى.

(4) التسويق السياسي.

(5) دعم "الأنا" لدى الفئات المهمشة، وتعزيز مفهوم المواطنة الافتراضية لديهم، وتوطيد العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، وتعزيز رأس المال الاجتماعى بين أفراد هذه الفئات.

(6) التعبئة السياسية online political mobilization .

وفي ظل شمول البيئة الإعلامية لأكثر من نمط من وسائل الإعلام ما بين التقليدي منها والجديد، ظهرت إشكالية جديدة فى مجال إعلام الأزمات، نلخصها فى التساؤل الآتى: ما العلاقة بين وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية بين التكاملية أو المنافسة فى أوقات الأزمات والأحداث الساخنة؟.

واختلفت الآراء فى هذا الشأن؛ فالبعض يرى أن العلاقة بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة صارت علاقة تكاملية، بينما يرى البعض الآخر أن مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام الجديد لها الكثير من الخصائص التى تجعلها أفضل من الوسائل التقليدية، ومن تلك المزايا:

السرعة، وإخفاء شخصية المستخدم، ورفع سقف الحرية فى التعبير عن الرأى، وإتاحة متابعة جهود المجتمع المدنى، والحميمية، وغير ذلك.

وفى ظل مناخ المنافسة بين الإعلام التقليدى والإعلام الجديد، وسعيًا من الأول لإشباع المزيد من الرغبات وتلبية احتياجات مستخدميه، ظهر ما يعرف بالتليفزيون الاجتماعى"Social T.V" الذى ظهر كنتيجة للتكامل، واندماج المستخدم بين مشاهدة التليفزيون، وكتابة تعليقاته عن ما يشاهده عبر مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة الفيس بوك، وتويتر؛ مما يجعل التليفزيون الاجتماعى وسيلة نشطةactive medium" "، واستخدم البعض مصطلح (الشاشة الثانية second screen) للتعبير عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعى عبر أجهزة الموبايل، أو اللاب توب، أو التابلت، أثناء المشاهدة، بصفتها الشاشة الثانية التى يتعرض لها المشاهد أثناء مشاهدة الشاشة الأولى، ألا وهى التليفزيون، وجاء ذلك بزيادة الاعتماد على التليفزيون فى ثوبه الجديد فى أوقات الأزمات والطواريء والكوارث.

وقسمت الدراسات التى تناولت نشاط الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعى أثناء مشاهدة التليفزيون إلى الأنشطة التفاعلية الآتية:

1ــــ الانفعالات (الحزن، والفرح، والغضب،.....الخ).

2ــــ التواصل مع المجتمع.

3ـــ التعبير عن الآراء.

4ـــ الحصول على المعلومات وتبادلها.

5ـــ محاولة جذب الانتباه.

ثالثًا: مصداقية وسائل الاعلام (الحكومية والخاصة) أثناء الأزمات:

  تزداد أهمية مصداقية وسائل الإعلام بوجه خاص أثناء الأزمات؛ حيث تحتاج هذه الوسائل إلى أداء من نوع خاص، مهنيًا وأخلاقيًا ووطنيًا، انطلاقًا من بعض المداخل والنظريات التى تستند إلى المسئولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، وممارسة الإعلام لدور الشفيع (المحامي) عن كل الفئات دون تهميش أو إهمال للفئات المهمشة، بما يوفر حق المعرفة الشاملة والكاملة والمتعمقة والتعبير عن الذات بحرية بعيدًا عن سياسة الصمت الإعلامى تجاه مشاكل البعض أو واقعهم، بالإضافة إلى تنشيط الجهات ذات الصلة للقيام بواجباتها ومسئوليتها، والقدرة على توسط العلاقة بين الأفراد وصناع القرار، وتفعيل الحق في الاتصال بمفهومه الشامل الحق في أن يعلم الجميع وأن يُعلم عن نفسه بحرية.

ولكى تحقق وسائل الإعلام الأدوار المرجوة منها من قبل كافة الأطراف على النحو الأمثل، لابد أن يتسم الأداء بمزيد من المصداقية، من خلال التزامها بعدد من الضوابط التى تحكم دورها فى إدارة الأزمات، ومنها:

  الفورية في نقل الأزمة، والتعريف بها وإمداد الجمهور بالحقائق التفصيلية أولًا بأول، والعمق والشمول في تغطية جوانبها المختلفة، وضبط النفس والتعامل بموضوعية مع أجهزة الرأى العام، والاعتراف بالأخطاء التى قد تحدث أثناء التغطية، والرجوع والاعتماد على المصادر الأصيلة.

ومن الأهمية بمكان إدراك أن تحقيق المصداقية لدى الجماهير عامة والنخب باختلاف مجالاتها ليس بالأمر السهل، وخاصة خلال الأزمات التى تطول مدتها، كما أن وجود قانون للمعلومات يرتب الحصول عليها وتبادلها يعد البوابة الرئيسة لتحقيق إعلام يسهم في مواجهة الأزمات، وليس إعلامًا يؤدى إلى اختلاق أزمات أو التهويل من بعضها.

ونختتم  هذا التناول بعرض عشر قواعد لمواجهة الأزمات كما حددها بعض المعنيين بإدارة الأزمات:

(1) تقبل المسئولية: وهذا لا يعنى أن تتقبل اللوم.

(2) فرِّق بين الإعلام السلبى والأزمة الحقيقية ... وحدد فعلك على هذا الأساس.

(3) استخدام أساليب البحث العلمى واستطلاع الرأى لتحديد أسلوب المواجهة.

(4) جنِّد طرفًا ثالثًا للتحدث نيابة عنك.

(5) تعامل مع وسائل الإعلام كشركاء وليس كأعداء، ولكن بحذر.

(6) توقع الشكوى والتقاضى.

(7) تابع وحلّل ما ينشر فى وسائل الإعلام التقليدى والجديد عن قرب.

(8) أبرز تعاطفًا واهتمامًا وتفاعلًا مع الحدث والناس.

(9) اتخذ الــ 24 ساعة الأولى بأقصى حدود الجدية والاهتمام.

(10) ابدأ برنامج إدارة الأزمة عن طريق بناء ركائز وأصول سمعة المؤسسة؛ حيث إنه فى غضون الأزمة ليس مهمًا سمعة المؤسسة.

  وليكن الهدف دائمًا من التناول الإعلامى على كافة مستوياته لأى أزمة مساعدة المجتمع فى مواجهتها والتغلب عليها، وغرس قيم الصمود وروح الأمل وليس الإحباط أو تقسيم وتفتيت المجتمع.

المراجـــع:

1- آية محمد علي،" التعرض للبرامج الحوارية التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعى وعلاقته بمستوى الثقة السياسية لدى الجمهور المصرى"، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الإذاعة والتليفزيون، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، مايو 2017.

2- أحمد يوسف القرعى،" الإعلام وإدارة الأزمات في عالم متغير"، في أهرام 31 ديسمبر 2004.

3-  شيماء ذو الفقار زغيب،" الاتصال السياسي قضايا وتطبيقات"، القاهرة، المصرية اللبنانية، 2015.

4- وسام نصر،" مصداقية وسائل الإعلام المصرية الحكومية والخاصة أثناء الأزمات دراسة حالة لأزمة وباء إنفلونزا الخنازير"، 2015.

About Mena El Hadidy

أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة

Check Also

Digitalism, Capitalism, and Contemporary Transformations in Academic Work: An Evaluative Study of Risks and Opportunities (Arabic)

Scroll down for the Arabic abstract. Modern universities have always been an embedded part of …