Home / Research Article / الزواج السعيد بين الإعلام والرياضة.. هل أصبح أكثر سعادة؟ نحو أجندة بحثية جديدة في العصر الرقمي
Covering sporting event. Image source: pxhere.

الزواج السعيد بين الإعلام والرياضة.. هل أصبح أكثر سعادة؟ نحو أجندة بحثية جديدة في العصر الرقمي

مقدمة

يقول ديفيد روي (Rowe 2004) في كتابه المعروف الثالوث الصعب: الرياضة، والثقافة، ووسائل الإعلام: "في جميع أنحاء العالم وعلى اتساع مناطق الكرة الأرضية باختلاف توقيتاتها، يشترك الناس ذوو الثقافات واللغات والديانات والأيديولوجيات المختلفة والمتباينة في خبرات يومية متشابهة.. إنها الاهتمام بالرياضة وأخبارها، التي تتضمن أفرادًا وفرقًا وأندية وجماعات يجتمعون معا ويتفقون على الاشتراك في أنشطة بدنية تحكمها قواعد وقوانين صارمة، وقد يُسمح فيها للأشخاص أن يضربوا أجزاء مختلفة من أجسام آخرين بأجزاء مختلفة من أجسامهم، أو ربما يحظر عليهم أي نوع من أنواع التلامس البدني على الإطلاق، وأحيانا يكون مطلوبا منهم دفع أشياء مختلفة الأشكال والأحجام باستخدام أدوات مختلفة أو أجزاء مختلفة من أجسامهم نحو أنواع مختلفة من الأهداف المحددة، في حين يحاول أشخاص آخرون بذل قصارى جهدهم لمنعهم من إصابة الهدف". 

ويحصل بعض الناس على مبالغ ضخمة من المال نظير اشتراكهم في هذه الأنشطة؛ لأن هناك عددًا كبيرًا من الناس يريدون أن يشاهدوهم وهم يمارسون هذه الأنشطة؛ إما في الوقت نفسه وفي المكان الذي يوجد فيه اللاعبون، أو في أماكن أخرى باستخدام وسائل البث الفضائي، والرقمي. هؤلاء المتفرجون يريدون أيضا أن يشاهدوا ويستمعوا إلى أشخاص آخرين يتقاضون أجورًا نظير التحدث والكتابة عن ما يفعله هؤلاء الذين يمارسون تلك الأنشطة أو عن ما قاله الآخرون أو كتبوه عنهم. هذه الحركات التي يقوم بها عدد محدود من الأشخاص وتجذب انتباه واهتمام أعداد أكبر بكثير، قد تبدو لعين الزائر القادم من الفضاء الخارجي وكأنها نوع من العدوى الفيروسية أو الجنون الجماعي، ولكن هذا السلوك بالنسبة لسكان الأرض يعد جزءًا لا يتجزأ من حياتهم، ويسمون هذا النشاط "رياضة".

الشاهد هنا أن هذه الظاهرة التي نتحدث عنها لا تتعلق بالممارسة الفعلية للرياضة إلا بشكل جزئي؛ فالأنشطة الرياضية التي تتم ممارستها في الساحات والملاعب وميادين السباق وأماكن ممارسة الرياضة الأخرى كافة لا تمثل في الواقع سوى قاعدة هرم مقلوب يعلوها كثير من الأشياء الأخرى المرتبطة بها، مثل مشاهدة الرياضة وبيعها وتسويقها ورعايتها وتقديمها والحديث عنها؛ لذلك فإنه من الصعب التمييز بين الرياضة ووسائل الإعلام التي تنقلها في الوقت الفعلي وعلى مدار الساعة. المؤكد أننا نعيش في عالم مشبع بالرياضة، ولكنه لا يعتمد على الاشتراك الفعلي في نشاط بدنى، فالناس يشاركون في عالم الرياضة وبأعداد كبيرة، ولكن هذه المشاركة لا تزيد عن مجرد مشاهدة المنافسات الرياضية والحديث والقراءة عنها.

العلاقة بين الرياضة والإعلام

كثيرا ما توصف العلاقة بين الإعلام والرياضة بأنها شكل من أشكال الزواج السعيد النادر وجوده بشكل عام، وفي مجالات الإعلام المتخصص الأخرى بشكل خاص. وعلى خلاف الإعلام السياسي- على سبيل المثال- توصف العلاقة بين الإعلام والرياضة بأنها زيجة من أسعد الزيجات؛ لأنها تبدو علاقة آمنة لا تنغصها قوانين المطبوعات والنشر، ولا ظروف الرقابة على المحتوى، ويحقق الطرفان من خلالها مكاسب كثيرة.

وعلى مدار تاريخهما معا تزايد الاعتماد المتبادل بين الطرفين، وهو تبادل مكثف وباهظ التكاليف التي تتمثل في نفقات الحصول على حقوق العرض التليفزيوني والرقمي للرياضة مقابل قيام وسائل الإعلام بتقديم محتوى معين للمشاهدين. وإن كان الأمر لا يخلو أحيانا من نقاط التوتر والخلاف بين الطرفين واستعراض القوة والمفاوضات للوصول إلى نقاط اتفاق وحلول وسط يدفع ثمنها المشاهد العادي في جميع أنحاء العالم.

ويشير McChesney (1989, 49) إلى أن العلاقة بين الرياضة ووسائل الإعلام في المجتمع الأمريكي تتسم بالتكافل الشديد، ويضيف أن هذا الوصف لا ينطبق فقط على الولايات المتحدة، بل أيضا على معظم الدول الصناعية المعاصرة، وقد أثرت تلك العلاقة التكافلية تأثيرا عميقا على وسائل الإعلام والرياضة.

كما تأثرت تلك العلاقة بالتطورات الكبيرة التي شهدها الطرفان خلال القرن العشرين؛ إذ أصبحت الرياضة أكثر تنظيما وأكثر ربحية، وظهرت المنافسات العالمية والإقليمية والمحلية في جميع الألعاب الرياضية، وتزايدت حاجة الجمهور إلى وسائل الإعلام التي تتابع تلك المنافسات وتنقل أخبارها وتقدم نجومها. وفي الوقت نفسه، شهدت وسائل الإعلام تطورات مهمة على صعيد الوسائل؛ إذ شهد القرن العشرون إضافة وسائل الإعلام الإليكترونية (الراديو والتلفزيون)، ثم شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية إلى الخريطة الإعلامية التي استثمرت الرياضة بوصفها محتوى إعلاميا يربطها بالجمهور من جانب ويوفر لها موارد مالية سواء عبر الإعلان أو عبر الاشتراكات وخدمات "ادفع لتشاهد"، ومن جانب آخر تمثل الرياضة، وبالتالي الإعلام الرياضي شكلا مقبولا ومتوافقا عليه من أشكال الصراع والتنافس غير العنيف، وغير العسكري بين الدول. وقد تطورت فكرة الرياضة بوصفها "تمثيلا رمزيا" للحرب إلى درجة بعيدة، لدرجة أنها أصبحت تعد بديلا وظيفيا للحرب تعمل على نزع فتيل العدوان العسكري بين الدول بطريقة آمنة إلى حد بعيد (Beck and Bosshart 2003, 3).

ويطرح هذا التطور في مجال الإعلام الرياضي- خاصة في السنوات الأخيرة- الكثير من الأسئلة على الباحثين في الإعلام، يمكن من خلال الإجابة عنها وضع أجندة بحثية جديدة لهذا الحقل البحثي المهم الذي يربط بين الرياضة والمؤسسات الإعلامية التقليدية والجديدة وبين الجمهور وخصائصه.  

ولعل من أهم هذه الأسئلة، كيف تطور الإعلام الرياضي إلى الشكل التجاري الذي نراه اليوم؟ وما مستقبل العلاقة بين الإعلام والرياضة في ظل التطورات التكنولوجية السريعة التي يشهدها العصر الرقمي؟ وما دور جمهور المشاهدين والمتابعين في كل ذلك؟ هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها على الباحثين في مجال الإعلام الرياضي بشدة بعد أن اندمج الاقتصاد السياسي للإعلام بنظيره في الرياضة، وأصبحت حياته مرتبطة بحياة المنافسات الرياضية المحلية والإقليمية والعالمية واستمرارها وانتظامها في الوقت الذي تحول فيه إلى الممول الأول للأنشطة الرياضية بما يوفره من رعاية للأحداث الرياضية وحقوق مالية ضخمة لكل عناصر الألعاب الرياضية.

تطور الإعلام الرياضي من التغطية المحدودة إلى البث المباشر

لا يمكن فهم ما يجرى في الإعلام الرياضي المحلي والعالمي من دون العودة إلى سؤال التاريخ الأساسي والجوهري عن بداية ارتباط الرياضة بالإعلام واهتمام الإعلام بتغطية الأنشطة الرياضية. 

والواقع أن اهتمام وسائل الإعلام بالرياضة والمنافسات الرياضية بدأ في فترة مبكرة من ظهور هذه الوسائل، ويؤرخ لظهور التغطية الإعلامية، وتحديدا الصحفية، بظهور المنافسات الرياضية الرسمية وشبه الرسمية في بعض دول العالم، وعلى رأسها بريطانيا التي بدأت في القرن الثامن عشر بوصفها تدوينا للأشكال السابقة من اللعب الشعبي والثقافة البدنية ووسيلة لتعزيز الروح المهنية بوصفها جزءًا من نمو الترفيه الصناعي؛ حيث يدفع المتفرجون لمشاهدة المسابقات الرياضية في الأماكن المغلقة، والمشاركة في المراهنة على الرياضيين، والاستمتاع بتجربة اجتماعية شاملة تتضمن تقليديا تناول الكحول ودعم فريق أو فرد ضد آخر. ومثلت صحيفة Morning Herald نموذجا للصحف حول العالم في هذا المجال عندما أسست قسما مستقلا لتغطية الأحداث الرياضية اليومية المحلية عام 1817، وظهرت بعض المجلات البريطانية التي تناولت الأنشطة الرياضية، ومنها مجلةSporting Magazine  (Marwat 2004, 159).

وقد بدأت وسائل الإعلام المطبوعة في تغطية الأحداث الرياضية بوصفها جزءا من الحياة اليومية، كما روجت للأحداث الرياضية من خلال الإعلان والرعاية (Kinkema and Harris 1998)  وكانت هذه البداية لعلاقة تبادلية بين الرياضة ووسائل الإعلام؛ فقد أبلغت الصحف القراء بالأحداث الرياضية القادمة ووصفت وقائعها، بينما جذبت في الوقت نفسه القراء وعائدات الإعلانات من الصناعات الناشئة والراسخة؛ إذ سرعان ما أصبح واضحا أن الرياضة يمكن أن تجذب الانتباه الشعبي وتمكن من تأييد المنتج، بوصفها وسيلة فعالة لجذب الجماهير للتعرض للسلع من قبل الرياضيين، وفي المقابل، حصلت الرياضة على مكانة أعلى ووضوح أكبر. وتطورت الصحافة الرياضية إلى ما هو أبعد من مجرد تقديم النتائج والوصف الواقعي، وقدمت الصحف والمجلات العامة والمتخصصة ملايين الصفحات التي تغطي الشؤون الرياضية وأصبح خطاب الرياضة يتغلغل في الحياة اليومية ليس فقط لهواة الرياضة (يشار إليهم الآن بالمشجعين)، ولكن لكل متابعي وسائل الإعلام(Rader 1984) .

 واستفادت الصحافة الرياضية من التطورات والمخترعات التكنولوجية التي شهدتها الصحافة بدءا من التلغراف الذي استخدمته في نقل نتائج المباريات من مكان إقامتها إلى أماكن طبع الصحف ومقار وكالات الأنباء. ومكن اختراع التصوير التلغرافي الصحف من نشر الصور، وكانت صور الأحداث الرياضية من أهم ما تنشره الصحف في ذلك الوقت. وعلى الرغم من ذلك، ظلت الرياضة ووسائل الإعلام مقيدة بشكل كبير بالزمان والمكان حتى أوائل القرن العشرين بل ومنتصفه، وتضمنت الرياضة أحداثًا محلية بشكل أساسي، وحتى عندما سافر اللاعبون والفرق الرياضية المحلية إلى المسابقات الرياضية العالمية والإقليمية، فرضت القيود التكنولوجية على وسائل الإعلام المطبوعة الانتظار لليوم أو الأسبوع التالي للنشر عنها؛ نظرًا للتكنولوجيات المتاحة لوسائل الإعلام المطبوعة، وكانت أفلام الأخبار الرياضية شائعة في دور العرض السينمائي قبل ظهور وسائل الإعلام الإليكترونية، لكنها تضمنت عملية النقل المرهقة إلى أماكن العرض (Masterman 1980, 6). 

وظهرت الصحافة الرياضية المسموعة في صورة نشرات أخبار رياضية إذاعية بعد ظهور المحطات الإذاعية بفترة وجيزة، بالإضافة إلى البرامج الرياضية التي استفادت من الرياضيين وأتاحت الفرصة للجمهور للاستماع لهم. وقدم التليفزيون بعد ظهوره تمثيلًا سمعيًا بصريًا غير مسبوق للأحداث الرياضية، وزاد الإقبال على النقل التليفزيوني المباشر للمباريات والمنافسات الرياضية، خاصة مع دخول التليفزيون لكل دول العالم تقريبا وتحوله إلى البث الملون واستخدام الأقمار الاصطناعية في النقل الخارجي، بالإضافة إلى التحسن الواضح في وضوح الصور باستخدام تقنيةHD  ثم تقنية 4K، وقد "عزز كل ذلك عولمة الرياضة" .(Miller et al. 2001).

ومثَّل ظهور الشبكات التلفزيونية الرياضية في سبعينيات القرن الماضي ثورة في عالم الإعلام الرياضي؛ إذ استثمرت هذه الشبكات أموالا طائلة للحصول على حقوق البث المباشر للأحداث الرياضية المحلية والعالمية، وأصبحت تقدم للجمهور خدمات مدفوعة بالكامل بالإضافة إلى بعض الخدمات المجانية المحدودة، ومن عائدات هذه الاشتراكات وفرت للمنظمات الرياضية المحلية والدولية والإقليمية التمويل اللازم لإقامة منافسات رياضية رفيعة المستوى. والآن توجد شبكات رياضية تليفزيونية كبيرة مثل ESPN الأمريكية، وSky Sports البريطانية، وBeIN Sport القطرية؛ ونظرا للدور الكبير الذي تؤديه الرياضة في حياة الشعوب سارع الكثير من دول العالم إلى إنشاء قنوات رياضية متخصصة تهتم بتقديم المسابقات المحلية ومتابعة الأحداث العالمية.

في ضوء ما سبق، يصبح من المهم أن نضع التطور التاريخي للإعلام الرياضي على رأس الأجندة البحثية حتى نستطيع أن نفهم السياقات التاريخية التي تحول من خلالها من مجرد نشر لنتائج المنافسات الرياضية إلى تغطية وتحليل على مدار الساعة لهذه المنافسات، وكيف تحولت الرياضة إلى صناعة لا يمكن لها أن تزدهر من دون الإعلام؟، وكيف تحولت الشبكات الإعلامية الرياضية إلى شبكات عملاقة لا يمكن لها أن تنمو وتزدهر سوى في ظل نظام رياضي دولي مستقر وعالي التنافسية؟

ويمكن أن تشمل الدراسات التاريخية لتطور الإعلام الرياضي تطور الوسائل التقليدية والجديدة، وتطور تكنولوجيا البث، بالإضافة إلى رواد الإعلام الرياضي في الدول المختلفة، ومواقف واتجاهات الإعلام الرياضي من الأحداث والقضايا الرياضية المختلفة الوطنية والعالمية، بالإضافة إلى التأريخ للظواهر المرتبطة بالإعلام الرياضي، مثل تطور استخدام الرياضيين لمنصات النشر المختلفة بداية من الصحف حتى الحسابات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، وتطور التوظيف السياسي للإعلام الرياضي خاصة في دول العالم الثالث. 

إعادة توصيف العلاقة بين الرياضة ووسائل الإعلام

من الضروري أن يغطي البحث الإعلامي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية للعلاقة بين مؤسسات الرياضة ووسائل الإعلام؛ فالرياضة والإعلام مؤسستان مختلفتان لهما أسباب مختلفة للوجود والبقاء وعاملون مختلفون ومتطلبات مهارية مختلفة، وعلاقات متباينة مع الوكالات الحكومية وغير الحكومية. ومن المتوقع أن تبقى الرياضة التي تتطلب بذل جهد بدني ووسائل الإعلام التي تتطلب مهارة وقدرة على صياغة ونقل الرموز مجالين مختلفين رغم ارتباطهما معا في علاقة مستمرة.

وعلى مدى القرن الماضي أصبح الارتباط بينهما وثيقا ومتبادلا ولا غنى لأحدهما عن الآخر، ولم يعد أحد يتخيل وجود أحدهما من دون الآخر على الإطلاق؛ إذ إنه من المستحيل الآن أن نتخيل رياضة من دون ما توفره وسائل الإعلام من إمكانيات، مثل إعادة اللقطة والتحريك البطيء للصور والصور المأخوذة من زوايا متعددة مصحوبة بأصوات المعلقين الرياضيين، وقد رأينا في السنوات الأخيرة كيف استفاد بعض الألعاب الرياضية من التصوير التليفزيوني حتى في تحكيم المباريات باستخدام تقنية التحكيم بمساعدة الفيديو Video Assistant Referee‏ والمعروفة اختصارا باسم VAR، وتقوم على مراجعة القرارات التي يتخذها حكم المباراة باستخدام لقطات فيديو يطلب منه مشاهدتها أثناء المباراة.

في ضوء ذلك، يصبح على الباحثين في مجال الإعلام عموما والإعلام الرياضي خصوصا أن يضعوا ضمن أجندتهم البحثية محاولة الإجابة عن سؤال؛ كيف حدث هذا التشابك والتداخل بين الرياضة ووسائل الإعلام؟ مع ضرورة ربط التطور التجاري للرياضة مع تطور الجانب التجاري لأشكال التسلية الأخرى، خاصة مع توافر المزيد والمزيد من المعلومات عن الأحداث الرياضية والأشخاص المشاركين فيها من المشاهير الجدد من الأبطال الرياضيين، والاهتمام كذلك بدراسة الطرف الثالث الذي يتوسط العلاقة بين الرياضيين والإعلاميين، وهو الشركات المعلنة التي تقدمت لتدفع نيابة عن الجمهور تكاليف مشاهدة الرياضة، وأسهمت في تطور اقتصادات الرياضة، بحيث لم تعد تعتمد على التبادل المالي المباشر بين المشاهد والرياضي.

دور الإعلام الرياضي

تمثل الرياضة مرآة للمجتمع يرى فيها نفسه؛ كونها تعكس القيم الاجتماعية التي يمكن أن تمتد من القيم الفردية مثل الانضباط، والزهد، وضبط النفس، إلى القيم الجماعية مثل الروح الرياضية والعدل، والقيم الإنسانية مثل الإيمان بقيمة الجهد والإنتاجية، والمنافسة الشريفة. 

ويشير (Beck and Bosshart 2003) إلى أن الرياضة تعمل كأجهزة إنذار مبكر وأجهزة قياس الزلازل للتغيرات الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع، كما أنها موحدة للشعوب، ومعززة للهوية الشخصية والوطنية، وتمثل عوامل قوية في التنشئة الاجتماعية، وتحسين القبول الاجتماعي للرياضيين ومشجعيهم، ويمكن للرياضة أيضًا أن تدعم التواصل الاجتماعي والهويات الثقافية وبناء القومية.

وقد عملت الحكومات على استثمار الرياضة والبرامج الرياضية في منصات الإعلام استثمارا مكثفا؛ نظرا للطريقة الفعالة التي يمكن أن تسهم بها الرياضة في بناء الأمة؛ فالدول التي تعاني انقسامات طبقية أو عرقية أو دينية أو إقليمية تعترض إحساس الشعب بهوية جامعة لا يكون لها سوى الرياضة لتمكين مواطنيها من تنمية شعور قوي بالوعي الجماعي بالهوية لديهم وبأنهم أفراد شعب واحد، ولعل هذا أحد المجالات البحثية المهمة التي يمكن من خلالها بحث الأدوار السياسية غير الظاهرة التي يؤديها الإعلام الرياضي في الدول المختلفة.

في المقابل، لا تمنح الرياضة وسائل الإعلام جماهير مخلصة لها فحسب، بل إنها توجد لدى هذه الجماهير أشكالًا أخرى من الإخلاص، مثل الإخلاص لمنتجات معينة (منتجات الشركات الراعية للمباريات).. والولاء والإخلاص للمدينة أو الولاية أو الإقليم أو الدولة، وتمثل هذه المجالات حقولا بحثية مهمة لدراسة الإعلام الرياضي ووظائفه وأدواره الجديدة في العصر الرقمي.

ويرتبط بما سبق بحث إسهام الإعلام الرياضي في تحقيق الرواج الاقتصادي في الدولة؛ إذ تقدم الرياضة لوسائل الإعلام وبانتظام جماعات كبيرة وضخمة من القراء والمستمعين والمشاهدين شديدي الولاء، ويعد جمهور مشجعي الرياضة سلعة قيمة يمكن بيعها للمعلنين والرعاة وتحقيق أرباح من ورائها؛ لذلك ترعى وسائل الإعلام وتدعم الأحداث الرياضية المحلية والإقليمية والدولية من خلال شراء حقوق البث والتغطية، وتبحث الآلة الإعلامية دائما عن أحداث رياضية ضخمة قومية ودولية تثير ضجة إعلامية وتصبح محور اهتمام المشاهدين والقراء.

تغير أدوار الصحفي الرياضي ومهامه وكفاءاته

على امتداد تاريخه.. شهدت أدوار ومهام الصحفي الرياضي تحولات جوهرية بدأت من الانتقال من الوصف التفصيلي المكتوب للأحداث الرياضية وتقويم أداء الرياضيين والفرق الرياضية المتنافسة ومتابعة أخبارهم بوصفهم مشاهير، إلى الوصف الصوتي المسموع عبر موجات الراديو والتعليق على المنافسات.

ومع ظهور التليفزيون، تغيرت أدوار الصحفيين الرياضيين، فلم تعد تقتصر على التقديم للمباريات والتغطية الصحفية لما دار فيها من أحداث ووصف وقائعها وإجراء الحوارات المسموعة مع أبطالها، وظهرت أدوار جديدة للمعلقين الرياضيين والمصورين والمخرجين والنقاد الذين يعلقون على الصور المتحركة المسجلة والفورية للأحداث الرياضية ويحللون الألعاب المختلفة للمشاهدين، واندمجت الصحافة الرياضية المطبوعة والمسموعة والمرئية في وسيلة واحدة من خلال البث الأرضي ثم البث الفضائي والبث الرقمي على الإنترنت للمباريات والأحداث.

ومع ظهور وتطور شبكة الويب 2 وظهور شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، أصبح الصحفي الرياضي قريبًا جدًّا من المتابعين عبر حسابات الصحف والمجلات والقنوات الإذاعية والتليفزيونية على الويب والشبكات والتطبيقات التي يتم تحديثها في التو واللحظة بنتائج المباريات والتعليق على أحداثها.

والمؤكد أن أدوار الصحفيين الرياضيين تأثرت إلى حد كبير بشبكات التواصل الاجتماعي في عملية جمع المعلومات وإعدادها للنشر بما يتوافق مع طبيعة كل منصة من منصات النشر وسماتها، ومن ثم بثها على المنصات المختلفة ومتابعة ردود أفعال الجمهور عليها. وعلى سبيل المثال يشير(2014, 1) English  إلى تأثر عمل الصحفيين الرياضيين وغرف الأخبار الرياضية في بلدان مختلفة بشبكة التدوين القصير "تويتر"، وتبنيهم – وفق نظرية انتشار المبتكرات لروجرز- استخدام الشبكة للوصول إلى جماهير لم يكن من الممكن الوصول إليها عبر منصات النشر التقليدية؛ ولذلك فإنه من الضروري بحث هذه التغيرات وتأثيرها في صناعة الإعلام الرياضي، وحدود الأدوار الجديدة للصحفيين والشبكات الرياضية، سواء في حراسة البوابة الإخبارية الرياضية أو في توجيه الرياضيين والأطراف المشاركة في الرياضة والأحداث الرياضية المهمة أو في بناء أجندة الاهتمامات الرياضية المحلية والعالمية وتوجيهها.

خاتمة

إن المكانة البارزة للرياضة في وسائل الإعلام ومكانة الإعلام في المجال الرياضي أمر واضح لا جدال فيه، وعلى الباحثين في هذا المجال أن يضعوا أجندة بحثية جديدة تتوافق مع التطورات المفصلية والجوهرية التي شهدتها السنوات الأخيرة من القرن العشرين والعشرينية الأولى من القرن الحالي، وذلك بوصفها مقدمة ضرورية لبحث النمو الكبير للرياضة في وسائل الإعلام وتفسيره، وبحث الموضوعات الأكثر أهمية، كعلاقة الأنظمة الإعلامية بالإعلام الرياضي والاقتصاد السياسي له في دول العالم المختلفة.

لقد اكتسبت الرياضة مكانة كبيرة في عقول شعوب العالم وقلوبهم بسبب عملية الإتجار الناجحة في السلع الثقافية والمعلومات والخدمات المتصلة بالإعلام الرياضي الذي يرجع الفضل إليه في زيادة الاهتمام الشعبي بمتابعة المنافسات الرياضية المحلية والعالمية، ويمكن القول أن المباريات والبرامج الرياضية التي تعد مجرد ملء لوقت الفراغ لدى البعض أصبحت عنصرًا رئيسًا في السياسات الإعلامية لبعض الدول وشكلًا من أشكال القوة الناعمة، والدبلوماسية العامة لدول أخرى.

إن محاولة وضع أجندة بحثية للإعلام الرياضي في العصر الرقمي تحتاج إلى ما هو أكثر من هذا المقال الافتتاحي، إن صح التعبير، تحتاج إلى أن تنطلق من دراسة واقع البحث في هذا الحقل العلمي المهم بتحليل الإنتاج المنشور الخاص به، ومن ثم استبيان الباحثين في الإعلام حول أولويات البحث فيه، خاصة في العالم العربي الذي تندر فيه بحوث الإعلام الرياضي في غالبية الدول العربية، رغم الاهتمام الشعبي والرسمي الكبيرين بالرياضة، رغم أن واحدة من الدول العربية (دولة قطر) تستضيف هذا العام أكبر منافسة عالمية وهي كأس العالم في كرة القدم.

References:

Rowe, David. 2004. “Sport, Culture and the Media”. 2nd edition. London: MacGraw-Hills Education.

Beck, Daniel and Louis Bosshart. 2003. “Sports and Media, Communication Research Trends”. Volum 22. No. 4. P.3.

Marwat, Mohibullah. 2014. “Sport Performance of Muslim Women and Different Constraints in Their Way to Participation in Sport”. Journal of Humanities and Social Sciences, Vol. 4. No. 10. P. 159. 

Kinkema, Kathleen M and Janet C. Harris. 1998. “Circuits of Promotion: Media, Marketing and the Globalization of Sport.” In Wenner, L. A. Mediasport /edited by Lawrence A. Wenner. [Online]. London ; Routledge.

Rader, Benjamin G. 1984. “In Its Own Image: How Television Has Transformed Sports.” London: Free Press.

Masterman, L. 1980. “Football on Television. In: Teaching about Television.” Palgrave, London.

https://doi.org/10.1007/978-1-349-16279-6_6.

McChesney, R. 1989. “Media Made Sport: A History of Sports Coverage. In L. A. Wenner (Ed.), Media, Sports, and Society (pp. 49-69). Newbury Park, CA, London, and New Delhi: Sage.

Miller, Toby, Geoffrey Lawrence, Jim McKay & David Rowe. 2001. “Globalization and Sport: Playing the World.” New York: SAGE Publications Ltd.

English, Peter. 2014. “Twitter’s Diffusion in Sports Journalism: Role Models, Laggards and Followers of the Social Media Innovation.” New Media & Society, DOI: 10.1177/1461444814544886. 1–18.

 

About حسني محمد نصر

 أستاذ الصحافة والنشر الإليكتروني، جامعة السلطان قابوس، وكلية الإعلام، جامعة القاهرة.

Check Also

“I’ll See You on Zoom!” International Educators’ Perceptions of Online Teaching Amid, and Beyond, Covid-19

Abstract When the COVID-19 pandemic swept the world in 2020, it affected every aspect of …