Home / Features / اليمن وصراع البقاء، قراءة إعلامية في الأزمة اليمنية الحديثة

اليمن وصراع البقاء، قراءة إعلامية في الأزمة اليمنية الحديثة

تمهيد:

إن الأزمات المتلاحقة في اليمن - سواء السياسية أو الاقتصادية أو الصراع القبلي - ليست وليدة اللحظة، بل هي مستمرة منذ أن عُرفت اليمن، وكتب عنها الكُتّاب والسياسيون والمتخصصون والإعلاميون في كل فترة من فترات الصراع.

ونحن اليوم نواجه أوج هذه الأزمات وأشدها على مجتمع عربي يمني بسيط حُرم من أبسط حقوقه، وسنتناول في الورقة البحثية هذه الأزمة من خلال رؤيتنا الإعلامية لمجريات هذا الصراع، وما هي الأسباب وكيف تنشأ الأزمات في اليمن ومن الذي يوقد سعيرها، وبعض الحقائق التي نرصدها من خلال التقارير الإعلامية والكتابات حول هذه الأزمة في الإعلام اليمني، وكيف تم تناولها في وسائل الإعلام وخصوصاً خلال العصر الحديث الذي عشناه حقيقة وتجرعنا مرارة الأزمات المتلاحقة التي تجرعناها وأثرت فى حياتنا ومستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة، من منظور إعلامي برؤية شاملة للصراع وبتحليل بسيط لمجرياته، شهادة للتاريخ وللأجيال القادمة، وقد تناولت هذا الموضوع في عدة محاور انتهاءً بالخاتمة، وكان ذلك على النحو الآتي:

تاريخ الصراع الحديث في اليمن:

لا يستطيع أي باحث إعلامي أو سياسي قراءة مشهد التاريخ السياسي اليمني بشكل دقيق؛ لوجود الكثير من الأسباب، منها أن النظام السائد في المجتمع اليمني يعد قبليًا حتى بعد قيام الثورة في 26 من سبتمبر 1962م، بالإضافة إلى السلاح المنتشر في عموم اليمن الذي أوجد نوعًا من الاكتفاء الأمني لهذه القبائل بعيداً عن مؤسسات الدولة، كما أن بعض الأحزاب والقبائل تتوجه بولائها للخارج؛ مما أثر فى شكل المشهد السياسي باليمن.

ولذلك فإن الأزمات متلاحقة، ما أن تنتهي أزمة حتى تتبعها الأخرى، فـعلى مدى التاريخ لم تكن اليمن خالية من الصراع السياسي منذ الثورة ضد المملكة المتوكلية اليمنية شمال اليمن عام 1962، قامت خلالها حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية والموالين للجمهورية العربية اليمنية، واستمرت الحرب ثماني سنوات(1970-1962)، وقد سيطرت الفصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب، وانتهت المملكة وقامت الجمهورية العربية، وكذلك بعد انتهاء الاحتلال الإنجليزي في الجنوب عام 1963م وتكوين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كانت الاغتيالات للحكام في الشمال والجنوب والصراع السياسي المسلح في كل المناطق لسنوات طويلة في اليمن بأكملها.

ثم أتت الوحدة اليمنية عام 1990م بين الشمال والجنوب، وتم إعلان الوحدة رسميًا فى 22 مايو 1990م، وأصبح علي عبدالله صالح رئيساً للبلاد وعلي سالم البيض نائبًا لرئيس الجمهورية اليمنية، وقامت الوحدة السياسية قبل دمج المؤسسات العسكرية والاقتصادية، وقبل فرض نظام أي من الدولتين رؤيته على الآخر.

ازداد التوتر والاحتقان بين مدرستين مختلفتين طيلة ثلاث سنوات انتهت بحرب صيف 1994م  بما يسمى حرب الانفصال بين الشمال والجنوب، انتهت باستقرار الوحدة اليمنية لعقدين كاملين تخللهما الكثير من الممارسات السياسية والدستورية على مستوى الوطن بأكمله بأسلوب علي عبد الله صالح، الذي تعود على إدارة الخداع والمؤامرات في علاقاته مع كل القوى السياسية والاجتماعية، وكان هو الرابح من صراعه معها.

اليمن في دائرة الربيع العربي:

لم تكن المظاهرات الشعبية في اليمن وليدة ما يسمى "الربيع العربي"، فقد كانت اليمن قديمة في هذه المظاهرات والتعبئة الجماهيرية منذ الثورة، مروراً بالتعديلات الدستورية التي حدثت ما بعد الثورة، وصولاً إلى التنديد بالبطالة والفساد الحكومي والمطالبة بعدد من التعديلات الدستورية عام 2011م من قبل شباب الثورة.

حكم علي عبدالله صالح اليمن لمدة 33 سنة، استأثر خلالها أقاربه وأبناء منطقته بمناصب مهمة وحساسة في الدولة، وخرج ما يقارب 16000 متظاهر فى 27 يناير2011م؛ تنديدًا بالأوضاع الاقتصادية والسياسية للبلاد، وأعلن صالح فى 2 فبراير أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة، ولن يورث الحكم لابنه أحمد، لكن فى اليوم نفسه تظاهر أكثر من 20000 شخص في الميادين العامة بصنعاء وباقي المحافظات، مطالبين هذه المرة برحيل صالح.

وفي شهر مارس قتل نحو 100 من المتظاهرين بعد أن أطلقت عليهم قوات صالح النار، بينما أصيب المئات؛ مما أدى إلى استمرار الآلاف من المتظاهرين في شوارع صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية لتخويفهم وانتهاء هذه المظاهرات، لكن هذا الأمر أتى بعكس ما كان مخططًا له من قبل صالح، واستمر المتظاهرون في صمودهم أمام نيران صالح، وكان وقتها الأحزاب المنافسة لحزب صالح هي من تقود هذه التظاهرات، كحزب الإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن) والحزب الناصري والحزب الاشتراكي.

بعدها تدخلت دول الخليج العربي لوقف العنف؛ فطرحت مبادرة خليجية توافقت عليها كل القوى السياسية، ولكن سرعان ما قامت قطر بالانسحاب من المبادرة، ودعت قطر "صالح" إلى التنحي فورًا، وانسحب القطريون من المفاوضات معلنين أن علي عبدالله صالح يماطل في توقيع المبادرة الخليجية.

في 3 يونيو 2011م تم تفجير مسجد الرئاسة ومحاولة اغتيال صالح، ولكنه نجا من الموت وتوجه إلى السعودية لتلقي العلاج، وبعد تماثله للشفاء وقع علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية بعد عام من الاحتجاجات والصراع والأزمات التي خلفت أكثر من 2500 قتيل في شتى محافظات اليمن.

والمصيبة في هذا، أن الأحزاب الكبرى (المؤتمر- الإصلاح - الناصري - الاشتراكي ..... الخ) لم تكن ذات تأثير في المجتمع، بل كان تأثيرها فقط فى أفرادها وقواعدها؛ بغرض المصلحة الحزبية وليس مصلحة الدولة وإخراجها من الأزمة.

ولم تستطع إبراز وترشيح قيادات سياسية قادرة على إحداث حراك سياسي يؤسس لدولة رغم الفرص الكثيرة التي أتيحت أمام هذه الأحزاب لبناء دولة حديثة، لكن البلاد ظلت أسيرة التجاذبات الإقليمية والحزبية الضيقة والقبلية.

الحوثيون ومخطط الاستيلاء على اليمن، العروض العسكرية الحوثية في صعدة بجوار الحدود مع السعودية:

لم يكن للحوثيين أي اسم سياسي سوى أنهم ـــ كما صورتهم وسائل الإعلام ـــ جماعة خارجة عن القانون، وتمت محاربتهم من الدولة في مقرهم بمحافظة صعدة شمال اليمن في حرب ما يسمى (الست حروب ضد الحوثيين) من 2004 حتى 2008م قتل فيها زعيم الحوثيين حسين بدرالدين الحوثي؛ فلم تنتصر فيها الدولة ولا الحوثيون؛ لأنها كانت عبارة عن سيناريو ومخطط استخدمه صالح لأغراض خاصة في قضائه على أطراف سياسية وعقدية بعضها ببعض.

ولكن هذه الحركة بدأت في الانتشار والتوسع في ثورة الشباب اليمنية 2011م؛ حيث إن الحوثيين أسهموا فيها بشكل أو بآخر لكي يكون لهم تواجد ويعرفوا الأخبار عن قرب ويستقطبوا الشباب حولهم، وبعد الانهيار في الدولة وتوقيع المبادرة الخليجية وتسليم السلطة إلى نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، قاموا بالسيطرة على محافظة صعدة والكثير من المعسكرات فيها، وبدأوا في التوسع نحو محافظة الجوف المجاورة لها، وقاموا بتنظيم عرض عسكري بآليات عسكرية ثقيلة، كالدبابات والمدافع وغيرها في الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية بمحافظة صعدة لإيصال رسالة تهديد إلى المملكة.

وبعد توقيع القوى السياسية في اليمن - من دون الحوثيين الذين ليس لهم أي حزب سياسي بل عبارة عن جماعة ما يسمى أنصار الله الحوثيين - على المبادرة الخليجية، انتهج الحوثيون سياسة المعارضة للحكومة؛ مما أسهم في زيادة شعبيتهم في اليمن؛ حيث إنهم لم يكونوا طرفًا فيها، ولم يكن لهم وزراء في حكومة رئيس الوزراء  محمد سالم باسندوة، المكونة حسب اتفاق المبادرة الخليجية بالرغم من وجود وزير للدولة في الحكومة محسوب على جماعة الحوثيين وهو حسن أحمد شرف الدين.

بعدها قرر الحوثيون المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني مارس 2013م، وساند الحوثيون الحراك الجنوبي وأبناء المحافظات الجنوبية ودعموا القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني؛ حيث رفض الطرفان مشروع الدولة الاتحادية ذات الستة أقاليم.

رغم ذلك، لم يتجه الحوثيون نحو إقامة أي تحالفات داخلية معلنة وواضحة ورسمية مع أي مكون سياسي أو ديني في اليمن، غير أن هناك بعض التقارير والأخبار عن تحالف بين الجماعة والرئيس السابق علي عبدالله صالح منذ اندلاع الحرب فى محافظة عمران بين الجماعة وخصومهم السياسيين فى حزب التجمع اليمني للإصلاح وأبناء الشيخ عبدالله الأحمر واللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الاولى مدرع، الذين أسهموا في ثورة الشباب اليمنية ضد نظام علي عبدالله صالح، ونتج عن ذلك التحالف سيطرة الحوثيين على محافظة عمران، وسهل لهم السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء؛ لتحقيق مصالح مشتركة للطرفين، فأسسوا تحالفًا يسمى "أنصار الثورة الشبابية".

بعد سيطرة الحوثيين وبدعم واضح من إيران لمحافظتي صعدة وعمران وضخ أسلحة كبيرة لهم وحصولهم على أسلحة مهمة ومتطورة وصواريخ وعربات، اقتحم الحوثيون فى 21 سبتمبر 2014م مقر الفرقة الأولى مدرع التي يقودها علي محسن الأحمر، وجامعة الإيمان التابعة لحزب الإصلاح، بل سيطروا على مؤسسات أمنية ومعسكرات ووزارات حكومية ومنشآت مهمة وسط العاصمة دون مقاومة من الأمن والجيش، واقتحموا قصور علي محسن الأحمر وحميد الأحمر وبعض قيادات الأحزاب المعادية لهم، وجرى بعدها التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي فرضه الحوثيون على القوى السياسية، وتم توقيعه بين "أنصار الله" والمكونات السياسية الأخرى، ونقل الحوثيون ترسانة عسكرية من مقر الفرقة الأولى مدرع إلى مكان مجهول.

اقتحم الحوثيون مقر القصر الجمهوري، وأرغموا الرئيس عبدربه منصور هادي على الاستقالة ونشرها عبر وسائل الإعلام، وحاولوا عدة مرات تمرير هذه الاستقالة عبر انعقاد مجلس النواب لقبول الاستقالة، إلا أن مجلس النواب لم ينصع لرغباتهم وتهديداتهم فلم ينعقد.

هرب الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن، ومنها إلى المملكة العربية السعودية، بينما اعتقل الحوثيون زير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، وأعلنوا للمرة الأولى عبر وسائل الإعلام التحالف مع علي عبدالله صالح.

ورغم تسليم صالح للسلطة فإنه ظل لاعبًا أساسيا على الساحة اليمنية، فقد أسهمت قوات من الحرس الجمهوري السابق - التي كان يقودها نجله "أحمد" وتدين بالولاء له - في القتال مع الحوثيين ودعمهم بشكل كبير، ورفضوا أوامر القادة العسكريين الموالين للرئيس عبدربه منصور هادي حتى استطاع الحوثيون احتلال صنعاء.

أحست المملكة العربية السعودية ودول أخرى إقليمية بالخطر على أمنها القومي بعد هذا التطور السياسي والصراع في اليمن وهروب رئيس الجمهورية هادي إلى السعودية، فتم تشكيل تحالف دولي لحماية أمنهم القومي والقضاء على الحوثيين في عمليات عسكرية أطلق عليها اسم "عاصفة الحزم" المتمثلة في غارات جوية ضد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وعلي عبدالله صالح المتحالف معهم والقوات الموالية له.

عاصفة الحزم:

تشكل التحالف العربي من عشر دول بقيادة السعودية، ضم التحالف رسميًا إلى جانب السعودية كلاً من البحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمغرب والسودان والسنغال، وأطلقت السعودية على العمليات "عاصفة الحزم" ثم بعد ذلك  في 21 أبريل 2015م اسم "عملية إعادة الأمل"، وتوزعت أدوار هذه الدول على تأمين مداخل ومخارج اليمن البرية والبحرية والجوية، بالإضافة

إلى الضربات الموجهة للأهداف العسكرية.

وخلال الأسابيع السابقة على عاصفة الحزم، كانت اليمن في صراع أحزاب وأرض وشعب ودولة ومقدرات وبنية تحتية وغيرها، فكانت شبه دولة فاشلة ببصمة إيرانية؛ لتقوية وتوسيع نفوذها الإقليمي، بأيادي أدواتها من المسلحين الحوثيين، الذين لم تتوافق أطماعهم داخلياً مع حسابات أطراف أخرى في الساحة اليمنية.

وكان السؤال في الإعلام العربي ومن الرأي العام حينها: أين موقف المملكة ودول مجلس التعاون، وماذا هم فاعلون؟ وأين الموقف العربي والدولي قبل أن تضيع اليمن؟

بعد انطلاق عاصفة الحزم للتحالف العربي بقيادة المملكة، والتحرك السياسي والدبلوماسي الفاعل على كل الأصعدة، رأينا كيف تحرك الإقليم والعالم، وتغيرت التوازنات الدولية إلى درجة صدور قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يدعم شروط التحالف وأهداف العاصفة.

وقد تواكبت هذه المرحلة مع عاصفة إعلامية مكثفة، وخاض محللون عسكريون وسياسيون في سيناريوهات افتراضية أو متوقعة لحرب برية واجتياح، وانتهاء الحرب خلال أسابيع قليلة، والقضاء على الحوثيين وحلفائهم داخل اليمن وقطع الأيادي الإيرانية والخارجية التي تمدهم بالاستمرار والبقاء.

بينما ظلت عاصفة الحزم والتحالف على الرؤية الأشمل لنجاحات الضربات الجوية المركزة في القوة والأهداف لإنقاذ اليمن وشعبها دون حسابات الطرح الإعلامي المتعجل.

وأعلن التحالف انتهاء عاصفة الحزم وبدء عملية (إعادة الأمل) في مشهد إعلامي جديد ساد فيه الظن بوقف جميع ضربات العاصفة، وخاض بعض الإعلام التقليدي والإلكتروني في تقييم النتائج على الأرض وانعكاساتها على آفاق العملية السياسية المحتملة في ظل سباق مبادرات من كل اتجاه، رغم أن التحالف أكد استمرارية تحقيق النتائج الاستراتيجية للعاصفة عسكريًا وسياسيًا على الصعيد اليمني والإقليمي والدولي، وأن عملية (إعادة الأمل) تعني مراحل جديدة لإطلاق الإغاثة الإنسانية وتهيئة المناخ لحلول سياسية على أسس سليمة تعيد الشرعية اليمنية.

بالإضافة إلى استمرار ضرب مواقع عسكرية خطيرة على الشعب اليمني، بعد تدمير نحو 90 % من الأسلحة الثقيلة للمتمردين ومستودعاتهم، وإتاحة الفرصة لتحول القبائل والجيش اليمني والانضمام إلى الشرعية.

كما أن الانقسامات تزايدت داخل حزب المؤتمر الذي يتزعمه صالح؛ رغبة في إخراجه من المشهد، حفاظاً على بلدهم وجيشهم ومستقبلهم؛ لأنها أعظم من أطماع ضيقة، ولو استمر الصراع والفوضى والسيطرة على البلاد ستكون الفاتورة باهظة، كالتي لا تزال تدفعها العراق وسوريا ولبنان، بفعل أذرع خبيثة لإيران وجماعات مارقة لا عهد لها.

تعرض التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن لانتقادات كبيرة، أبرزها من منظمات حقوق الإنسان؛ بسبب حملته الممتدة للقصف الجوي في اليمن، التي أدت إلى تصاعد أعداد الضحايا من المدنيين، لكن بعض المسؤولين الخليجيين قالوا إنه توجد استراتيجية متعددة المحاور، تشمل استمرار السيطرة على الأجواء الجوية والبحرية وتسهيل المساعدات الإنسانية في ما يسمى "مكرمة الملك سلمان"، ومشروعه الإغاثي لليمنيين، ووضع خطط لإعادة البناء والتنمية وكسب ولاء زعماء القبائل.

ومع هذا كله، فإن دول الخليج كانت ولا زالت تريد العودة إلى المبادرة الخليجية التي أقرها مجلس الأمن الدولي، بينما يريد صالح والحوثيون إعادة التفاوض على بنودها وفي أحيان كثيرة رفضها، ولا زلنا في دوامة وصراع ليس له معالم نهاية.

نهاية صالح برصاص حلفائه:

شهدت الأيام الماضية خلافًا كبيرًا بين صالح والحوثي إثر اتهام الحوثي للرئيس اليمني السابق بـ "الاتفاق سرًا" مع التحالف العربي بقيادة السعودية للانقلاب على الحوثيين وإدخال القبائل، خاصة "قبائل طوق صنعاء"؛ بغرض السيطرة عليها وفك الارتباط مع جماعة الحوثي، وقد رحب التحالف بقيادة السعودية بعرض الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بفتح صفحة جديدة والقضاء على الحوثيين.

لكن يبدو أن علي عبد الله صالح، الذي تعود على إدارة الخداع والمؤامرات في علاقاته مع كل القوى السياسية والاجتماعية التي كان هو الرابح من صراعه معها، خانه التقدير هذه المرة، ولم يستكمل تفاصيل المشهد والصورة الرمزية لتحالفه الجديد، وقد يكون غُدر به من مقربين، ومن الصعوبة بمكان تقدير أمور كثيرة في ظل سرعة الأحداث وفي غمار المستجدات المتلاحقة، وستفضي الأيام المقبلة بتفاصيل جديدة قد تغير من تصوراتنا لواقع الأحداث والتطورات.

لكن ما يُعرف عن علي عبد الله صالح أنه كان من إفرازات مرحلة عربية قلقة في كل شيء، السياسة والثقافة والاقتصاد، وكانت الانقلابات العسكرية الطريق الأسرع للقفز على السلطة، ومعها فيروس الزعامة والقيادة العابرة للحدود.

كان صالح، قد أعلن أنه يرحب ومستعد للحوار مع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والذي تقاتله قواته المتحالفة مع المتمردين الحوثيين منذ ثلاث سنوات، ودعا فى كلمة تليفزيونية دول الجوار إلى "فتح صفحة جديدة" داعياً التحالف إلى وقف الهجمات ورفع الحصار عن شمال اليمن، وكانت هذه الكلمات كفيلة بقتل صالح على يد الحوثيين.

وفي يوم الإثنين 4 نوفمبر 2017م كانت النهاية الدامية لصالح مع سيناريوهات كثيرة تم الترويج لها في وسائل الإعلام، وروايات من هنا وهناك عن كيفية تصفيته بصورة بطل، وثانية بصورة خائن، وثالثة بصورة هارب.

ما يمكن أن نؤكده أن صالح كان قاب قوسين أو أدنى من تحالف جديد كان هدفًا استراتيجيًا مع قوى التحالف العربي، فقبل أقل من 48 ساعة من مقتله كان صالح قد أعلن في مشهد تاريخي دعوته للجماهير اليمنية أن تهب على قلب رجل واحد للدفاع عن اليمن ضد العناصر الحوثية التي تعبث منذ 3 سنوات بمقدرات اليمن ومؤسساته؛ وذلك للانتقام ممن حققوا وحدة اليمن وثورة سبتمبر، قائلًا: "انتفضوا لوحدتكم ومن أجل دولتكم"، هذا المشهد الأخير قد يجعل صالح صورة لثأر جديد في مسار اليمنيين على مختلف توجهاتهم، من الموالين لصالح ومن الراغبين بالانتقام من الحوثيين.

وسيغير ذلك بطبيعة الحال من توجه أي تفكير بالعودة للمسار السياسي، فالمعطيات تغيرت، وبات واقع التحالفات الجديدة غير واضح وغير مستقر، خصوصاً في ظل غياب مشهد الشخصية التي يمكن لها أن ترث حضور ونفوذ وشخصية صالح في حزبه، وداخل أوساط القبائل اليمنية التي أثبتت الأيام أنها قادرة على ترجيح كفة طرف على آخر، وهي من رجحت كفة صالح طيلة العقود الأربعة الماضية، والآن انقلبوا عليه وتركوه يواجه الموت وحده رغم ما حققوه من مكاسب في عهده.

ومن المؤكد أن الشرعية اليمنية قد حسمت قرارها بفتح جبهات جديدة مع الحوثيين بالتنسيق مع قوات التحالف العربي، فليس أمام اليمنيين والتحالف سوى استمرار الحرب حتى تحرير صنعاء؛ حيث إن استغلال غضب الشارع، وإدارة التحالفات الجديدة من الأهمية بمكان، والأيام حُبلى بمستجدات جديدة، ويبدو أن توقعها أو استنتاجها بات من الصعوبة بمكان، فتقدير المواقف وقراءة الأحداث بات يخضع لمعادلات شديدة التعقيد.

وهذا يحتم على الدول العربية، وعلى وجه الخصوص دول الجوار اليمني، حسم قرارها تجاه إنهاء سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وإدارة مشهد العمليات العسكرية برؤى مختلفة أكثر فعالية، من خلال الاستفادة من الأخطاء السابقة، وتلافي القصور الذي حال دون تحقيق تقدم عسكري حقيقي في كل الجبهات، خاصة في ظل ارتباك مليشيات الحوثي، وتخبطها وتوقعها لرد فعل عنيف، ولابد أن يكون ذلك بقدر المفاجأة وبقدر صدمة اليمنيين من الطريقة التي قُتل بها علي عبدالله صالح.

أصبح الشارع اليمني يعيش حالة من الصدمة؛ فالأوضاع الاقتصادية باتت صعبة للغاية، والمعاناة الإنسانية تفاقمت إلى حد اعتبارها الأسوأ في العالم بحسب تقارير دولية ومنظمات دولية، فمرتبات موظفي الدولة منقطعة منذ أكثر من عامين، والدمار الحاصل في البنية التحتية أعاد اليمن واليمنيين إلى عصور ما قبل الثورة التكنولوجية، كما أن حالة الإرهاب والقمع والاعتقال باتت مصير كل من تسول له نفسه معاداة الحوثية ومليشياتها.

وقد أصبح كل ذلك إرهاصات لقناعة كاملة لدى اليمنيين أن الحل السياسي لم يعد ممكنًا، وأن تحرير العاصمة صنعاء وسحب أسلحة المليشيا وعودة الدولة ومؤسساتها الشرعية إلى صنعاء هو الهدف الرئيس، وهو المصلحة الاستراتيجية لليمن، وللحفاظ على الأمن القومي العربي والخليجي، وللمملكة العربية السعودية تحديدًا، ومن دون ذلك لن ترى اليمن أي ملامح لسلام أو استقرار، وأن السرعة في اتخاذ القرار السليم مطلوب؛ لكي لا تستطيع دول خارجية الدعم للحوثيين داخل اليمن وامتداد الحرب لسنوات.

ما بعد صالح:

لا زالت قوة قبلية كبيرة فى اليمن تحاول أن تجد طريقها نحو أحد الأطراف "الحوثي" أو "السعودية" بعد صالح؛ فعلى سبيل المثال لاتزال قبائل كبيرة، مثل قبائل حاشد، وبكيل، ومذحج‏، وزبيد، وأرحب، ونهم، وقبائل طوق صنعاء، كلها بلا استثناء قبائل قيادتها قابلة للاستقطاب.

وهذا ما يفسر بشكل واضح لماذا قلب صالح الطاولة على الحوثيين، فقادة وزعماء القبائل طمأنوا صالح بأنهم معه حال انقلب على عبد الملك الحوثي، لكن إيران والأموال التي ضختها فى اليمن  والأموال التي تم نهبها من مؤسسات الدولة والأسلحة المنهوبة كانت ولاتزال أقوى بكثير من أموال الخليج.

فمعظم محافظات اليمن لم تنتفض ضد الحوثي لأسباب كثيرة؛ أبرزها المال والسلاح المتوفر بيد الحوثيين، زد على ذلك تفكك قوة الجيش اليمني بعد الضربات الكثيرة التي تلقاها بسبب ولاء قوات النخبة "الحرس الجمهوري" لعلي عبدالله صالح، لكن المخرج السياسي في اليمن لن يمر دون صوت الرصاص، فمن المتوقع أن ينتفض الكثير من المدن والمحافظات ضد الحوثيين حال وجدوا أن لهم مناصرًا إقليميًا وحاضنًا داخليًا، خصوصًا أن عملية قتل صالح تعد جريمة قتل عمد قبلية في العرف اليمني.

إن الجزء الأهم في هذه المعادلة هو الموقف الخاص بالمملكة العربية السعودية والتحالف العربي، والتي هي أمام خيار وحيد، هو أن بقاء الحوثيين يحاصرون منطقتهم الجنوبية لغم سينفجر قريبًا، كما أن فكرة إجبار الحوثيين على العودة للمسار السياسي فكرة  مرفوضة، وسترفض كل المبادرات السياسية وأفكار السلام، استنادًا إلى انطلاقها من توجيهات عقائدية تنفذ فيها وصايا الولي الفقيه، من خلال التجارب السابقة للحوار اليمني.

وبالتالي؛ فإن الخلافات السياسية التي قد تؤثر فى علاقات بعض الأطراف مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لابد من تجاوزها على الأقل في اللحظة الراهنة، كما أن هادي دعا جميع المكونات اليمنية في كل المحافظات التي لاتزال ترزح تحت وطأة المليشيا الإجرامية الإرهابية إلى الانتفاض في وجهها ومقاومتها ونبذها، والدعوة إلى المصلحة الوطنية لليمن والتي تتقاطع مع المصالح الأخرى للمتحالفين مع الشرعية.

الخاتمة:-

إن اليمن جيولوجيا طبيعية وبشرية فريدة في تكوينها التاريخي والاجتماعي والديني، والجبال ليست تكوينات صخرية تمتد فوق الأرض، لكنها صلابة تنغرس في الرؤوس والأجساد، وحسابات الحياة والموت لها أرقامها الخاصة في بلاد اليمن، وقد قيل إن الحكمة يمانية، نعم لكنها لليمنيين وحدهم، فاليمن كيان لا يشبهه كيان آخر.

ترتكز قوة أي زعيم سياسي على فهم كيمياء هذا النسيج الاجتماعي الهائل، فقد تفوق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح العسكري البسيط على من هم أعلى رتبة عسكرية وعلمية وفكرية منه بقدرته الاستثنائية على التعامل مع خيوط هذا النسيج (القبيلة).

وتوهم قادة اليمن الجنوبي السابقون الذين عدّوا أنفسهم من طلائع الماركسيين، أنهم سيقفزون باليمن الجنوبي إلى عالم آخر عبر أوهام الطبقية والاشتراكية، ونحروا بعضهم على مائدة الجدل والصراع على التفسيرات الفكرية وكراسي السلطة، ورقص معهم العسكري البسيط قليلًا، ثم دفعهم عنوة إلى خارج الحلبة.

وفي الأخير، فإن مقتل علي عبدالله صالح على يد الحوثيين سيكون مقدمة لبناء واقع سياسي وأمني، داخلي وإقليمي جديد، سينتج بالضرورة تغيرات هيكلية في نمط التحالفات التاريخية داخل اليمن.

About Matar Mohamed Elrida

باحث وإعلامي يمني

Check Also

UN Women, Arab Women , Refugee

The Participation of Arab Women in the Media Industry and Cultural Diplomacy as a Tool for Geopolitical Public Relations (Arabic)

Scroll down for Arabic abstract. Media and communication systems play a significant role in shaping …