Abstract
This book review examines Global Media Coverage of the Palestinian-Israeli Conflict: Reporting the Sheikh Jarrah Evictions, edited by Noureddine Miladi, which offers a timely and critical investigation into how international media outlets framed the forced evictions of Palestinian families from the Sheikh Jarrah neighborhood in East Jerusalem in May 2021. The incident triggered widespread condemnation and revived global attention to the Palestinian struggle amid accusations against Israel of violating international law. The book brings together contributions from scholars across the globe, analyzing how both traditional and digital media narrated the conflict. Through qualitative and comparative discourse analysis as well as digital anthropology, the volume exposes the ideological patterns and asymmetries in global news coverage, contrasting dominant Israeli narratives with counter-narratives foregrounding Palestinian voices. This review highlights the book’s contribution to media and conflict studies, especially its emphasis on the role of alternative and new media in challenging hegemonic representations and shaping international public opinion.
التغطية الدولية الإعلامية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي: التقارير الإخبارية حول إخلاء حي الشيخ جراح نموذجا
مقدمة
يناقش كتاب "التغطية الإعلامية الدولية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي: التقارير الإخبارية حول إخلاء حي الشيخ جراح، والأدوار التي أدتها وسائل الإعلام في تفسير الواقع الفلسطيني الإسرائيلي وحالة الصراع الممتدة منذ عقود طويلة، ويعتمد الكتاب في معالجاته على تحليل متعدد للنص الصحفي، والمواد الرقمية والتليفزيونية المنشورة، مقدما موضوعاتها والفاعلين والعناصر الثقافية الأكثر بروزًا في قلب التغطية الإخبارية، وتقوم المعالجة التحليلية للكتاب على تتبع المواد الإخبارية الأساسية، مثل النشرات الأكثر متابعة أو المواد المتصدرة في كبرى الصحف والمواقع الإلكترونية الإخبارية.
ويمكن القول أن قضية هذا الكتاب هي قضية التباينات الحادة التي تسود المشهد العالمي الإعلامي ودخول العالم الرقمي لاسيما عبر المنصات الصحفية أو الشخصيات الشهيرة يصفته وسيطًا جديدًا وفاعلًا في نقل الحقيقة، خصوصا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية. ويرى الكتاب أن السردية الرقمية للقضية الفلسطينية أصبحت سردية بديلة لقصة الصراع بعد أعوام طويلة تُركت فيها هذه القضية مهملة يطويها النسيان والتجاهل. ويأتي الحدث التصعيدي كحدث إخلاء حي الشيخ جراح بوصفه علامة تتجاوز إخلاء قرية فلسطينية بين مجموعة من القرى التي طالها مشروع الاستيطان الإسرائيلي إلى تفسير ظاهرة أيديولوجيا مركزية وممارسة كولونيالية تتجاوز القيم الإنسانية.
لقد اعتمد الباحثون في هذا الكتاب عددا من المعالجات النظرية لتفسير حالة التباين الحاد بين التغطيات الإخبارية- بينها نظريات الأطر الإعلامية- والصورة الذهنية أو المعالجات النظرية لظواهر التحيز في التغطيات الإخبارية. ويقيم الكتاب وزنًا للأبعاد التاريخية معتبرا إياها مكونا أساسيا في فهم علاقة وسائل الإعلام وتفسيرها لتبعات الأحداث في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يبرز على أنه معالجة جديدة تعتمد على تتبع تاريخ العلاقة مع إسرائيل أو مع العرب أو مع الفلسطينيين أنفسهم، وتفسيرها في ضوء التغطيات الإخبارية المتضامنة مع الحق الفلسطيني.
كيف عبّرت وسائل الإعلام العالمية عن حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
يرى بعض الباحثين المشاركين في الكتاب أن وسائل الإعلام الشهيرة والأكثر وصولا، مثل وكالات الأنباء والمحطات الصحفية والتليفزيونية الوطنية قد عمدت خلال سنوات طويلة إلى منح أفضلية واضحة لسردية الاحتلال الإسرائيلي بشكل متعدد، يشمل تحيز اللغة والتفسيرات للأحداث والرموز المستخدمة للتعبير عنها، والاعتماد على المصدر الإسرائيلي في تقديم الأحداث وتفسيرها، وأسهم ذلك في إحداث أثر كبير على الحضور الفلسطيني في التغطيات الإخبارية الدولية. ويعد الكتاب في معظم دراساته هذا الشكل من المعالجة الإخبارية لما يحدث في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حالة من الانحياز والتواطؤ وتجهيلًا متعمدًا للحق الفلسطيني.
تقوم ممارسة التحيز الإعلامي على خطابات تقليدية هيمنت على سردية الصراع تعتمد على التقليل من ممارسات الاحتلال وتجهيل الاعتداءات الإسرائيلية ونسبتها لجهات غير معلومة والابتعاد عن السياقات السياسية والثقافية والاجتماعية المشكلة لجذور الصراع وانعكاساتها على الحق الفلسطيني، وفي ظل انتشار التغطيات المتحيزة التي تعتمد على المصادر الإسرائيلية؛ فإنه من الصعوبة على الجمهور اكتشاف الحقيقة أو فهم ما يحدث، لاسيما مع طول الصراع وأمده الزمني الممتد؛ ولأجل ذلك، يبرز التساؤل حول الدور الأيديولوجي لوسائل الإعلام في تغذية الشعور العالمي والمعتقد العام حول القضية الفلسطينية.
وتناقش دراسةMiladi et al. (2023) في الكتاب مثلًا حدة التناقض والتباين في المواقف والتفسيرات الإعلامية للصراع في تغطيتي قناتي الجزيرة الإنجليزية "القطرية" و"i24" "الإسرائيلية" لإخلاء حي الشيخ جراح، حيث ترى الدراسة أن الجزيرة قد اعتمدت على مصادر حية من الميدان، والتزمت بتقديم السياقين التاريخي والجغرافي للمنطقة التي تتعرض لمحاولات تهجير قسرية، بينما ركزت تغطيات قناة "i24" على مصادر غير ميدانية وتصريحات تعبئة عسكرية مأخوذة من مصادر الجيش الإسرائيلي، وبذلك عمدت نحو الدعائية بشكل يؤثر على قيم جمهورها ومعتقداته بصرف النظر عن القوالب المعلوماتية والتفسيرية للحدث، وتبرز دراسة Tulloch and Gordillo (2023)نموذجًا مختلفًا من المقارنة التي تعتمد على المنافسة السياسية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، تؤدي من خلالها وسائل الإعلام دورا في إبراز ردة الفعل الصينية والروسية إزاء التدخلات الأمريكية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومساندة الولايات المتحدة للحكومة الإسرائيلية ودورها في تعزيز الاستيطان والممارسات غير المشروعة للاحتلال، بصرف النظر عن موقفها من مشروعية دولة الاحتلال وتاريخ الصراع في تلك المنطقة.
وفي مقابل ذلك، تهتم فرانس 24 الفرنسية بإبراز الانتهاكات الإسرائيلية ومقاومة الفلسطينيين لها بشكل متساوٍ مع ما تسميه بعنف الجماعات المسلحة الفلسطينية، متجاهلة اختلاف القوى والترسانة العسكرية التي تملكها إسرائيل، في حين لا تخفي مؤسسات صحفية مثل شبكة تليفزيون الصين الدولية وروسيا اليوم اهتمامها بالوجه الإنساني للصراع، وتفسير ممارسات إسرائيل على أنها اعتداء ممنهج، ويمكن القول إن الأبعاد التاريخية للعلاقة مع إسرائيل قد أكسبت بعض وسائل الإعلام القدرة على تفسير الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وأحد الأمثلة على هذا الأمر ما قدمته دراسة (2023) Sabidoفي الكتاب؛ حيث حاولت تتبع المعالجة الإسبانية الصحفية والدور الذي أدته السياسة التاريخية التي أبطأت اعتراف دولة إسبانيا بدولة إسرائيل في تبني موقف إدانة دائم للاحتلال الإسرائيلي في الصحافة الإسبانية، ويعمد الكتاب إلى اقتراح المقاربة الأخلاقية والثقافية والتاريخية في تحليل المشهد الفلسطيني الإسرائيلي بعيدًا عن التفسيرات الانفعالية التي تستخدمها وسائل الإعلام في تغطية الصراع لتجاوز حالة التباين الذي قد يؤثر على ثقة الجمهور ومعارفه حول القضية.
الأصوات الرقمية ومحاربة السردية البديلة
شكل حدث إخلاء حي الشيخ جراح تحولا ملحوظا في حالة التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية رصدته كتابات الباحثين في هذا الكتاب، وتؤكد الدراسات التي قدمها الكتاب كثافة النشاط الرقمي الذي أسهم في نقل قصص أفراد نشطين من هذا الحي؛ ما أسهم في خلق مساحات للتعبير عن القضية ظلت مستبعدة لسنوات طويلة عبر وسائل الإعلام، وقد ورصد الكتاب الآليات التي اتبعها الناشطون الرقميون والشخصيات الشهيرة، بينهم الممثلة الأمريكية سوزان ساراندون وعارضتا الأزياء من أصول فلسطينية بيلا وجيجي حديد، في تقديم ملامح جديدة نحو القضية، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي مثلت -بالنسبة لهذه الشخصيات- فضاء بديلا يكشف عمق تأزم المسألة الفلسطينية وما يحيط بها من انتهاكات على مدار زمن طويل، وقدمت هذه المنصات تلك الانتهاكات بكل الأساليب بينها الوسوم، كما قاد الناشطون حملات رقمية للتضامن بالصوت والصورة وعبر تقنيات البث المباشر.
إن الجانب الأبرز في الظاهرة الرقمية الجديدة لحالة الصراع كما يقدمها الكتاب يكمن في قدرة الأفراد العاديين على الوصول لهذه المنصات بسهولة، وإيصال أصواتهم ومعاناتهم المعاشة لحظة بلحظة تحت وطأة الاحتلال، كما نجحت أصوات فلسطينية كثيرة في أن تعبر بسرديتها نحو الفضاء الرقمي، متجاوزة السيطرة الرقابية لهذه المنصات وتقنينها لانتشار المحتوى الفلسطيني (Aal et al. 2023).
وفي هذا الإطار، يورد الكتاب دراسةMajeed and Abushbak (2023) الإثنوجرافية حول سعي الناشطين الرقميين الفلسطينيين للاستفادة من المنصات الرقمية في تسجيل يومياتهم وذكرياتهم ومكانتها في حياتهم اليومية، ودورها في تقديم التفاصيل الحياتية المستثناة من التغطيات الإخبارية، ومع ذلك، يعد الكتاب سياسات منصات التواصل الاجتماعي الجديدة تمارس شكلا من أشكال الإبادة الرقمية على المحتوى الفلسطيني، وتستمر هذه المنصات في استبعاد وإخفاء المحتوى الفلسطيني وإزالة الحسابات الفلسطينية والوسوم المرتبطة بها، بل وحذف الأرشيفات الخاصة بها (Maher and Matar 2023)، إضافة لذلك، تستخدم إسرائيل المنصات الرقمية لاسيما حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي لتقديم شرعنة مستمرة لسياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية انطلاقا من مشروع متعدد للدبلوماسية الرقمية، ويتقارب هذا الإقصاء الرقمي مع سياسات وسائل الإعلام الغربية في تبرير السياسات الإسرائيلية واغتيال الفلسطينيين معنويًا عبر سياسات اللوم والشيطنة واستخدام التوصيفات الإسرائيلية للفلسطينيين، كوصفهم بالإرهابيين والمخربين (Aspriadis 2023).
كيف نفهم حالة الصراع إعلاميًّا؟
ركز الكتاب في الكثير من معالجاته إلى التحليل الآني للمسألة الفلسطينية في إطار إنساني عام قائم على القوانين والمواثيق الدولية، ولعل دراسةYusha’u (2023) التي قدمها الكتاب حول أدوار التغطية الإعلامية في بناء السلام في مناطق الصراع بالتركيز على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030 والتركيز على الحلول التي طرحها القادة الأفارقة حول حل الدولتين لأبرز مثال على أهمية النظر إلى القضية الفلسطينية على أنها قضية ثقافية ذات أبعاد استعمارية بعيدا عن العناصر الآنية للأحداث؛ فالدراسة قد رأت أن التاريخ المشترك للفصل العنصري الذي عانت منه دول القارة الأفريقية كجنوب أفريقيا وتبعات ذلك من اقتتال دموي يمثل مجالا مشتركا للتضامن الإنساني مع الشعوب التي ترزح تحت وطأة الحروب، وسببا دافعا للصحف الأفريقية في تبني سردية السلم العالمي عندما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ومن البدهي القول أنه ما تزال المسألة اليهودية كما يعبر عنها في الأبحاث السياسية والثقافية مسألة مركزية في حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي رغم انعدام المسؤولية العربية والفلسطينية إزاء المجازر التاريخية المرتكبة ضد اليهود، كما أن الحق اليهودي في تكوين الدولة اليهودية لا يزال يمثل حقًا مكتسبًا للصهيونية لا تلغيه الممارسات الاستيطانية أو الاعتداءات الممنهجة، ويعود بنا هذا الأمر إلى مقابلة تليفزيونية للشاعر الفلسطيني الأشهر محمود درويش حين خاطب صحفية إسرائيلية قائلاً: "أتعلمين لماذا الفلسطينيون مشهورون؟ لأنكم أعداؤنا، إن الاهتمام بنا نابع من الاهتمام بالمسألة اليهودية، نحن قليلو الحظ في أن تكون إسرائيل هي عدونا" (Instagram, 2025).
وعليه، فإن من المهم تحليل حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر وسائل الإعلام في إطار نظام عالمي يقسم العالم إلى مناطق اهتمام مركزية وأخرى هامشية تفتقر لحقها في الإنسانية؛ فما يغذي السرديات الإعلامية المحابية للاحتلال اليوم يتجاوز الأحداث الآنية وعواجل شاشات التليفزيون إلى أبعاد تاريخية واستعمارية ساعدت في تهميش حق الإنسان الفلسطيني على مدار سنوات طويلة.
خاتمة
يستند كتاب "التغطية الإعلامية الدولية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي: التقارير الإخبارية حول إخلاء حي الشيخ جراح أنموذجا" إلى تحليلات متوازنة لشكل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويتبنى دعوة واضحة للتعمق في السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية لحالة الصراع. ويمنح هذا العمل إضاءات معرفية وفكرية قيّمة للقارئ حول سرديات الخطاب المهيمن والبديل عبر وسائل إعلام متباينة أيديولوجيًا وثقافيًا ويعكس الفجوة الكبيرة بين الخطابات التقليدية لكبرى وسائل الإعلام والخطابات الجديدة التي تقدم سردية بديلة عبر المنصات الرقمية لاسيما شبكات التواصل الاجتماعي.
إن هذا العمل يفتح المجال أمام الباحثين لتوجيه اهتماماتهم البحثية نحو جذور الصراعات في التغطيات الصحفية والإخبارية عبر مزيد من التركيز على دوافع سياسات تحريرية محددة أو طبيعة مقاربات لغوية سائدة في قلب هذا الصراع، مع ضرورة مراعاة النواحي التاريخية والثقافية المؤثرة على الرسالة الإعلامية.