Home / عربي / إعلامنا والإرهاب بعد ٢٥ يناير ..
قد طرق أ.أيمن إبراهيم، مذيع ومقدم برامج فى شبكة تليفزيون النهار، ملفًا خطيرًا بعنوان "إعلامنا والإرهاب بعد 25 يناير" حيث أسقط القضية على أرض الواقع في مصر في محاولة للإجابة على عدد من الأسئلة التي أثارتها حالة التصادم بين الداخلية ونقابة الصحفيين حول دور الإعلامي والصحفي في منظومة الوطنية والدفاع عن مؤسسات الدولة، بل والدور الأهم في الحرب على الإرهاب الخطر، وأسباب نجاح الدولة بإعلامها في مواجهة إرهاب فترة التسعينيات وعدم تحقق ذلك الآن

إعلامنا والإرهاب بعد ٢٥ يناير ..

أيمن إبراهيم - مذيع أخبار ومقدم برامج

خمس سنوات عاشتها مصر بل والأمة العربية من أصعب مراحل التاريخ في القرن المعاصر، ولا أتحدث هنا عن ارتباط تاريخي وديني وعرقي بين مصر وأخواتها من العرب، لكنني أشير إلى حرب وجودية وضعت مصر والعرب في خندق واحد دفاعًا عن كيان كل دولة على حدة .. لذلك سوف يقتصر كلامي هنا على مصر فقط في محاولة للإجابة على عدد من الأسئلة أثارتها بالطبع حالة التصادم بين الداخلية ونقابة الصحفيين حول دور الإعلامي والصحفي في منظومة الوطنية والدفاع عن مؤسسات الدولة ؟ بل والدور الأهم في الحرب على الإرهاب الخطر الذي ينبغي أن تتوحد فيه كل الأهداف في مواجهة واحدة.


أسئلة أخرى تتعلق بهذا الإطار تبحث عن إجابات أمثال
:

- لماذا نجحت الدولة بإعلامها في مواجهة إرهاب فترة التسعينيات؟ ولا يتحقق ذلك الآن؟

- ما الذي تطلبه الدولة من الصحفي والإعلامي في الحرب على الإرهاب ؟

- كيف يستغل الإرهاب الإعلام في تحقيق أهدافه على المدى البعيد والحالي ؟

- هل ساهمت الفوضى الحاصلة في الإعلام في الفشل داخل منظومة مواجهة الإرهاب وتوضيح خطره على الدولة على الأقل؟

 

أسئلة كثيرة وغيرها قد تأتي على ذكر هذا الموضوع، ولكنها لا تقلل أبدًا من أهمية الإعلام ودوره في الحرب على الإرهاب، وأعتقد أن السرد التاريخي والتحليلي هو الوحيد الكفيل بالإجابة على معظم الأسئلة السالفة وغيرها، خاصةً بعد الصدام مع نقابة الصحفيين الذي حدث لأول مرة في تاريخ مصر أيًا كانت الدوافع والمبررات، لكنها مع ذلك هي رمز حرية الرأي والتعبير والشفافية والمهنية على مر العصور.

ولننظر إلى التاريخ مع السرد والتحليل ..

لقد شهدت مصر منذ ثورة ٢٥ من يناير ٢٠١١م قرابة المئات من حوادث الإرهاب، أغلبها في سيناء وحدها؛ ثم اتسعت الدائرة بعد ٣٠ من يونيو ٢٠١٣م؛ لتشمل حوادث الاعتداء على مديريات الأمن في القاهرة والدقهلية، وعدد من مديريات الأمن الأخرى، وتفجير عدد من الأماكن بجوار محطات مترو الأنفاق والمدارس والكنائس وأقسام الشرطة مثل مجزرة كرداسة؛ مما أدَّى إلى إعلان حظر التجوُّل في سيناء، وتعديل قانون القضاء العسكري وإضافة قضايا الإرهاب إليه.

وبدأ المشهد القضائي لمحاكمات رموز الجماعة الإرهابية ورموز الفساد مع النهج الجديد فيما عرف بالضربات الاستباقية داخل الدولة وعدد من المحافظات، إلى أن عادت الصورة مرة أخرى إلى انحصار الصورة في عمليات إرهابية ضد الجيش في الشيخ زويد ورفح شمال سيناء. فهل الدولة نجحت في التصدي وتضييق الخناق على الإرهاب أيًا كان المصدر والأدوات والأهداف؟ الإجابة تبدو واضحة بنعم.

من ناحية أخرى وقبل السرد في تعامل الإعلام مع هذا التسلسل الزمني، دعونا نفهم أيضًا كيف تعامل الإرهابيون مع الإعلام أو ما يريده الإرهاب من الإعلام؟ . الإرهابيون في كل الأحوال حريصون جدًا على أن يكونوا على علاقة جيدة مع وسائل الإعلام، خاصة الصحافة ووكالات الأنباء، فيحرصون على تزويد تلك الوكالات بأخبارهم وبياناتهم وأفكارهم.

وهم أيضًا حريصون على دسّ عملاء لهم فى مواقع الاتصال بالمؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء، مثل عمال التليفونات أو موظفي التلكس والفاكس، وغيرها من المواقع الوظيفية المتحكمة فى مسار الأخبار، فواحد مثل أسامة بن لادن كان يمول بالكامل الخط الساخن للأخبار الإسلامية فى الخليج.

وتحرص التنظيمات الإرهابية العربية على تحقيق التواصل الدائم مع الجماهير الواسعة من خلال استخدامها لوسائل الإعلام العامة والإلكترونية (الإنترنت خاصة)، وإقامة صلات خاصة مع بعض الوسائل الإعلامية العربية (وخاصة الفضائيات التلفزيونية الواسعة الانتشار) واعتمادها على بعض الأوساط المتدينة والمتدنية في التعليم من أجل التعاطف معها.

وكل ما مضى أمور تؤكد الحتمية الصحيحة في نظرية المواجهة المتكاملة على مستوى كل بلد أو على المستوى العربي العام، باتجاه تبني مفهوم المعالجة المتكاملة للظاهرة الإرهابية، التي تسهم فيها جميع الأجهزة والجهات والمؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بالجوانب المختلفة لهذه الظاهرة.

ومن هنا وفي إطار ما تواجهه مصر من حرب حقيقية ضد الإرهاب، فإن العنصر الإعلامي يصبح لاعبًا رئيسيًا في المواجهة الشاملة. وأنا هنا لا أحاول نقد أجهزة الإعلام أو تقويمها، بقدر إلقاء الضوء على المشكلة التي تواجه وسائل الإعلام في التعامل مع الحرب ضد الإرهاب، فالحصول علي السبق أو الخبر هو الهدف الأصيل لأي صحفي أو إعلام، ولكن عندما تصبح الدولة في مواجهة الإرهاب فيجب تغليب المصالح الاستراتيجية العليا للبلاد علي أي مصلحة أخري، وأن الانحياز الوحيد في مهنية العمل يكون للمعلومة فقط، لا مدح في الدولة بشكل أراجوزي، ولا نقد عن جهل في أجهزة الدولة.

فكيف مارس الإعلام دوره في المواجهة بعد ٢٥ يناير؟

لو نظرنا للإعلام الرسمي؛ سنجد دوره أشبه بدور المتحدث الرسمي بلسان الدولة في سرد بيانات الداخلية والجيش بدون تعمق أو تحليل أو إلقاء الضوء على الظاهرة ككل ومراحل المواجهة والأشواط التي مرت وتتلوها أشواط ومراحل أخرى.

بمعنى آخر؛ هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية، وتقديم تغطية متعجلة وسريعة، وربما أحياناً سطحية، تهتم أساساً بتقديم جواب عن سؤال: ماذا حدث؟! وكأن الهدف هو إيصال رسالة الدولة فقط بدون زيادة أو نقصان.

والأمثلة كثيرة في كافة الحوادث التى مرت على مصر، فلم تكن هناك منظومة أو استراتيجية واضحة لتغيير عقول تعمل بنفس السياق الذي ترك ركب الإعلام يتطور ويبحر بعيدًا، وظل هو يغرد وحيدًا على أطلال الريادة الضائعة للإعلام الرسمي. أما الحديث عن الإعلام الخاص؛ فأنت تتحدث عن إعلام ـ بلغة السوق ـ يجد المساحة الكافية لدمج أي تطور وتحديث في كل المنظومات من صورة وإبهار ومقدمين؛ لخلق كيان لدى المشاهد والمواطن المصري.

ومع ذلك؛ وقع في نفس الخندق من الأخطاء من التركيز على الحدث أكثر من التركيز على الظاهرة؛ مما يعطي الإعلام اهتماماً للعمليات الإرهابية أكثر من الاهتمام الذي يعطيه للإرهاب كظاهرة لها أسبابها وعواملها. بحيث تسود في الغالب معالجة العملية الإرهابية كحدث منعزل، وليس كعملية تجري في سياق معين، وتحدث في بيئة معينة، كما أن هذه التغطية تتميز بعدم الانتظام وعدم الاستمرارية؛ ولذلك تأتي هذه التغطية متقطعة تزداد كثافتها أثناء العمليات والمناسبات والمؤتمرات ثم تضعف وتتوارى، وربما تختفي نهائياً، وهذا ما يؤثر سلبياً في قوة تأثيرها. وهي أيضًا لا تقوم في كثير من الأحيان على قواعد علم الإعلام ونظرياته، ولا تستخدم مداخل إقناعية مناسبة، ولا تنطلق من نظريات تأثير مناسبة، بل ربما تتسم هذه التغطية بالعفوية والارتجال وعدم التخطيط، الأمر الذي يجعلها تغطية تفتقر إلى الإطار المرجعي الذي يحقق لها التماسك المنهجي، وفي الغالب تقع هذه التغطية في أحيان كثيرة في فخي التهوين أو التهويل للظاهرة الإرهابية، وهذا ما يؤثر سلبياً على مصداقية هذه التغطية وعلى مقدرتها على الوصول والتأثير.

وفي النهاية؛ قد لا يتوفر لدى الكثير من وسائل الإعلام الكادر الإعلامي المؤهل والمختص، القادر على تقديم معالجة إعلامية مناسبة لهذه الظاهرة المعقدة والمتشابكة والمتعددة الأبعاد.

إن أخطر ما أراه هو ذاتية الحديث أمام الشاشة، خاصة بعد أن أصبحت الغلبة العظمى لمقدمي التليفزيون صحفيين في الأساس، تغيب عنهم معايير التفرقة بين الشاشة كوسيلة إعلامية والصحافة، كما لا تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة في المقدم أو المذيع؛ ما يزيد المشهد خلطًا أمام المشاهد بين الصحفي الذي مكانه الأصلي ضيف في برنامج ما في الرأي والتحليل، والمذيع الذي حوّل التليفزيون والرسالة الإعلامية إلى عمود في جريدته ..

من كل ما سبق نستنتج أن التعامل مع قضية الإرهاب كان تعاملًا جزئيًا وقاصرًا، فنحن لا نواجه حوادث إرهابية تقع هنا وهناك مثلما هو الحال في دول أخرى، لكننا في الحقيقة نواجه حربًا شاملة بهدف واحد هو إسقاط الدولة المصرية وتفكيك مؤسساتها. فبدون استراتيجية واضحة في التعامل مع الأحداث الإرهابية إعلاميًا، فإن خطط المواجهة لن تكون فعالة وناجزة ..

وكما قلت في بداية كلامي، هدفي هو السرد والتحليل فقط هذه المرة وربما الحلول تأتي في مرة قادمة!

 

About Ayman Ibrahim

Check Also

Digitalism, Capitalism, and Contemporary Transformations in Academic Work: An Evaluative Study of Risks and Opportunities (Arabic)

Scroll down for the Arabic abstract. Modern universities have always been an embedded part of …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *