تقدم تلك الورقة تأصيلاً نظرياً لعلاقة الإعلام بالأزمات من خلال طرح مجموعة من المحاور التي تساهم في توضيح مراحل الأزمة ودور الإعلام في كل مرحلة من مراحلها، وذلك بغية تقديم رؤية تدفع نحو التعامل بشكل أفضل مع الأزمات، وقد جاءت تلك المحاور كما يأتي:
دورة حياة الأزمة The Crisis Life –Cycle
يشير تحليل الأزمات إلى تشابه كبير مع النموذج البيولوجى فى دورة الحياة؛ حيث يمر الكائن الحى بمراحل مختلفة من الميلاد، ثم مرحلة النمو والنضج وصولًا إلى مرحلة الانحدار والموت، ويمكن أن نستخدم دورة حياة الأزمة لتعبر عن كل مرحلة من مراحل دورة الحياة.
فحين تظهر بوادر الأزمة أو ميلادها يمكن أن تتدخل فنون الإدارة لتحول دون أن تصل الأزمة إلى مرحلة النمو والنضوج ، وفى هذه الحالة تستطيع الإدارة الرشيدة أن تنهى الأزمة فى مهدها، وقد تنجح الإدارة الجيدة فى تجنب الأزمة قبل أن تولد بما يمكن أن نطلق عليه "إجهاض الأزمة" .Crisis abortion
وحين تتجاهل الإدارة معالجة الأزمة فى مهدها تكون الظروف مهيأة لميلاد الأزمة ونموها ووصولها إلى مرحلة النضج التى تشكل تهديدًا كبيرًا لسمعة المنظمة.
وإذا استطاعت المنظمة التصدى للمشكلات قبل أن تستفحل وتنمو وتتحول إلى أزمات، فإنها سوف تتجنب التغطية السلبية Unsavory التى تقدمها وسائل الإعلام نتيجة نقص المعلومات وزيادة الغموض، ورغم ذلك يجب أن ندرك أن بعض الأزمات لا يمكن تجنبه واحتواؤه فى مهده[2].
تصنيف دورة حياة الأزمة:
يرى العلماء أن دورة حياة الأزمة تمر بثلاث مراحل:
1- ما قبل وقوع الأزمة: وهو ما يعرف باستشعار الأزمة واتخاذ الإجراءات الوقائية Proactive حتى يمكن تلافيها.
2- مواجهة الأزمة حال وقوعها: من خلال اتخاذ الإجراءات التى تحد من الآثار الضارة والعمل على تضييق نطاقها.
3- إجراءات ما بعد الأزمة: من خلال دراسة وتقييم ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ورسم سبل عدم تكرار أزمات مشابهة.
- يرى علماء آخرون أن دورة حياة الأزمة تمر بخمس مراحل رئيسة على النحو الآتي:
- مرحلة إشارات الإنذار Signal Detection: فغالبًا ما يسبق الأزمة بعض علامات الإنذار المبكرة التى تنبيء باحتمال نشوب الأزمة، وعادة ما تحدث الأزمات نتيجة عدم الانتباه إلى تلك الإشارات.
- مرحلة الاستعداد و الوقاية Preparation – Prevention: تعتمد هذه المرحلة على رسم سيناريوهات مختلفة لمواجهة الأزمات المحتملة وكيفية التعامل معها، والعمل على الحد من مخاطرها.
- مرحلة احتواء الأضرار Reactive: وهى مرحلة حدوث الأزمة؛ حيث تتم مراجعة الخطط الوقائية وإدخال التعديلات عليها فى ضوء الموقف الفعلى للأزمة، وحجم التأثيرات الناجمة عنها والعمل على استعادة النشاط.
- مرحلة استعادة النشاط Recovery: تشتمل على إعداد وتنفيذ برامج تستهدف استعادة الصورة الذهنية الإيجابية عن المنظمة من خلال استمرار الأنشطة الاتصالية التى تساعد على ذلك.
- مرحلة استيعاب الدروس المستفادةLearning: وتتضمن رصد وتقييم حصيلة الخبرات التى اكتسبتها المنظمة نتيجة وقوع الأزمة وكيفية التعامل معها[3].
وقد أدى التطور السريع فى تكنولوجيا الاتصال وانتشار القنوات الفضائية، وقواعد البيانات، وشبكات المعلومات مثل شبكة الإنترنت بما تحققه من تدفق سريع للأخبار والمعلومات وما تنطوى عليه من معلومات دقيقة وغير دقيقة عن المنظمة تنشرها وسائل الإعلام على نطاق واسع، إلى ضرورة حرص المنظمات على مراقبة هذه الوسائل الجديدة الواسعة الانتشار بأن تعمل على إقامة روابط إيجابية معها وإمدادها بالمعلومات الدقيقة أولًا بأول فيما يعرف باتصالات الأزمة[4].
الاتصالات ودورها فى المراحل المختلفة للأزمة:
تعرف اتصالات الأزمة بأنها "كافة الانشطة الاتصالية التى تمارس أثناء المراحل المختلفة للأزمة بغض النظر عن الوسائل والمضامين المستخدمة فيها، بما فى ذلك أنشطة العلاقات العامة والأدوار الاتصالية التى تقوم بها المنظمات أثناء مراحل الأزمة، وكذلك الأنشطة الاتصالية التى تقوم بها وسائل الإعلام".
- يمكن حصر دوافع الاهتمام باتصالات الأزمة فى الدوافع الآتية:
- تزايد عدد الأزمات التى تعانى منها المنظمات والمؤسسات المختلفة فى المجتمع فى السنوات الأخيرة.
- تزايد اهتمام وسائل الإعلام بتغطية أخبار الأزمات والأخطار الصناعية والبيئية والسياسية المحدقة بالجماهير، واللجوء إلى تغطيتها بعمق من خلال تقارير تقصى الحقائق.
- التأثير العميق للأزمات على المجتمع ومؤسساته وهيئاته.
- تحظى الأزمات والكوارث بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام باعتبارها من الأخبار السلبية التى تحقق الانتشار لوسائل الإعلام وتلبى حاجة الناس إلى المعرفة.
- تستقطب الأزمات اهتمام السياسيين وجماعات المصالح الخاصة.
- تأثير الأزمة لا يقف مردوده السلبى عند حد منظمة بعينها، بل قد يتجاوز إلى التأثير فى قطاعات كاملة فى المجتمع[5].
دور الإعلام و الاتصالات فى المراحل المختلفة للأزمة:
ينطلق دور الإعلام والاتصالات فى المراحل المختلفة للأزمة أو ما يطلق عليه دورة حياة الأزمة من ثلاثة مبادىء رئيسة هى:
- إدارة القضايا التى تثيرها الأزمة Issues Management.
- التخطيط لمنع الأزمة Planning-Prevention.
- الإنجاز والعمل على انحسار الأزمة Implementation.
المرحلة الأولى : دور الإعلام والاتصال فى إدارة القضايا المتعلقة بالأزمة
- مراقبة البيئة والبحث فى الأفكار السائدة والاتجاهات المتعلقة بالمشكلات أو العناصر التى تنبيء بوقوع الأزمة.
- تجميع معلومات عن القضايا التى يحتمل أن تسبب مشكلات أو أزمات بالنسبة للمنظمة.
- تطوير استراتيجية اتصال تستهدف منع حدوث الأزمة أو إعادة توجيه القضايا وأطراف الأزمة على النحو الذى يمنع وقوع الأزمة.
المرحلة الثانية: دور الإعلام والاتصال فى المشاركة فى التخطيط لمنع الأزمة:
1- وضع سياسة وقائية لمنع الأزمة من خلال تناول ومناقشة أبعاد المواقف والمشكلات التى تؤدى إلى احتمال وقوع الأزمات والتنبيه إليها.
2- إيجاد قنوات من الاتصال بين وسائل الإعلام وفريق إدارة الأزمة فى المنظمة.
3- الوصول إلى ممثلى المنظمة للتعامل مع الإعلام وتوصيل الحقائق إلى الجماهير.
4- تصميم رسائل اتصالية للجمهور المستهدف لتوضيح مواقف الأطراف المعنية من الأزمة والجهود المبذولة لاحتواء المشكلة وإبراز الحلول المطروحة.
المرحلة الثالثة: إدارة الأزمة:
- العمل على استمرار التدفق السريع للمعلومات والبيانات المتعلقة بالأزمة.
- تقييم استجابة المنظمة للأزمة من خلال رؤية الخبراء والمتخصصين فى سيناريوهات مواجهة الأزمة وفعاليات التعامل معها من جانب المنظمة.
- إبراز أسباب تطور الأزمة وأبعادها وأبعاد التأثيرات التى يمكن أن تحدثها.
- توعية الجمهور بأساليب مواجهة الأزمة وتداعياتها والأدوار والوظائف المطلوبة منه للإسهام فى احتواء آثار الأزمة.
- إعداد وتنفيذ رسائل اتصالية وإعلامية تفسر الأزمة وتعرض طرق مواجهتها والأنشطة المبذولة من قبل الجهات المعنية بالأزمة لاحتواء آثارها.
المرحلة الرابعة: دور الإعلام و الاتصال بعد انحسار الأزمة The Post Crisis:
- الاستمرار فى جذب اهتمام الجمهور نحو الجهود والأنشطة المبذولة لاحتواء الأزمة.
- الاستمرار فى رصد ومتابعة تداعيات الأزمة حتى تقل حدتها أو تختفى.
- الاستمرار فى تزويد الجمهور بالمعلومات حول إجراءات مواجهة الأزمة وتحليل مدى ملاءمة هذه الإجراءات وقدرتها على عدم تكرار الأزمة فى المستقبل من خلال الخدمات التفسيرية والتحليلية من جانب الخبراء والمتخصصين.
- رصد ردود الأفعال الرسمية والشعبية واتجاهاتهم لتجنب أزمات مستقبلية.
- تطوير استراتيجية اتصال تستفيد من الخبرة الحالية فى مواجهة الأزمة للاستعانة بها والبناء عليها فى مواجهة أزمات مشابهة لتحديد النقاط السلبية والإيجابية للأنشطة الاتصالية والإعلامية المستخدمة[6].
- طرح بعض الأسئلة المهمة لتقييم الأداء الإعلامى فى مراحل الأزمة، من أهمها:
- هل تمت الاستجابة الإعلامية للأزمة بالسرعة والفعالية المطلوبة؟
- هل تم العمل وفق خطة اتصالية منظمة؟
- ما نوعية الفئات التى استهدفتها الرسائل الإعلامية والاتصالية، وهل وصلت إليهم وكانت ملاءمة لهم؟
- هل تم تجاهل فئة معينة من الجمهور؟
- ما نوعية الرسائل الإعلامية والأساليب المنطقية والعاطفية التى تم توجيهها للجمهور، وهل تتلاءم مع المراحل المختلفة للأزمة؟
- ما حجم التغطية الإعلامية للأزمة، وهل كان كافيًا لتلبية احتياجات الجمهور للمعرفة والتوعية بأبعاد الأزمة وتداعياتها؟
- هل تم عرض أخبار غير دقيقة أو شائعات، وما الوسائل التى استخدمت لمعالجة هذا الأمر لمنع عدم تكراره؟
- هل كانت الكوادر الإعلامية على دراية بالأزمة وأبعادها وقدرة على التعامل معها؟[7]
عناصر الاتصال ودورها فى المراحل المختلفة للأزمة:
- المرسل: تتحدد مهام وقت الأزمات وخلال المراحل المختلفة لتطورها في ما يأتي:
- المحافظة على قيم المجتمع وتماسكه وقت الأزمة.
- العمل على تحقيق الإجماع أو الاتفاق على الأهداف الرئيسة.
- معرفة ودراسة طبيعة وخصائص الجمهور الذى يتوجه إليه.
- الإلمام بمفهوم الأزمة وأهمية الدور الإعلامى فى التعامل معها.
- فهم مدى تأثير الأشكال الإعلامية، بحيث توظف تلك الأشكال طبقا لطبيعة ونوعية الأزمة والمرحلة التى تمر بها.
- التعرف على إمكانيات كل وسيلة إعلامية وقدرتها على التعامل مع الأزمة لتوظيف كل منها طبقًا لطبيعة الأزمة ومراحلها والعمل على إيجاد التنسيق بينها.
- الرسالة الإعلامية: توجد عدة اعتبارات تتعلق بمحتوى الرسالة لابد من مراعاتها عند التعامل الإعلامى مع الأزمات فى مراحله المختلفة، من أهمها:
- إثارة اهتمام الجمهور لتنشيط عنصر المشاركة.
- الحرص على صياغة الرسالة بدقة، وإبراز المطلوب من الجمهور للإسهام فى مواجهة الأزمة وتداعياتها.
- البساطة والوضوح فى صياغة الرسالة لتصل إلى الجمهور العام.
- أن تتلاءم مع طبيعة الوسيلة التى تبث من خلالها.
- أن ترتبط بالاستراتيجية والأهداف العامة المتبعة لمواجهة الأزمة خلال مراحلها المختلفة.
- الوسيلة الإعلامية: إن تحقيق مبدأ الوحدة والتنوع فى أداء وسائل الإعلام مسألة مهمة فى إدارة الأزمات؛ مما يتطلب فهم خصائص كل وسيلة من هذه الوسائل، فقد تكون الإذاعة الأسرع والأكفأ فى تقديم المعلومة، بينما يكون التليفزيون الأفضل فى تقديم حدث مصور وموثق، والصحافة أكثر مقدرة على معالجة الأحداث والتطورات بعمق وتحليلها وتفسيرها.
- المستقبل: يرتبط نجاح الإعلام فى التعامل مع الأزمات بمدى قدرة الجمهور على الاستجابة للرسالة الإعلامية وفك رموزها والتفاعل معها، وفقًا لثقافته ومفاهيمه ومعتقداته وتطلعاته الخاصة وتحيزاته وتوجهاته السياسية، وغيرها من العوامل التى يجب أن تؤخذ فى الاعتبار عند صياغة الرسالة الإعلامية وقت الأزمات.[8]
مهام الإعلام فى المراحل المختلفة للأزمة:
يختلف التناول الإعلامى للأزمات باختلاف المراحل التى تمر بها الأزمة؛ حيث يقوم الإعلام بمهام ووظائف وأدوار تختلف باختلاف هذه المراحل كما يأتي:
- مرحلة نشر المعلومات: وهى المرحلة التى تبدأ مع بداية ظهور الأزمة؛ حيث يقوم الإعلام بدور حيوى فى التعربف بالأزمة وإمداد الجمهور بالمعلومات والبيانات عنها ليواكب رغبة الجماهير فى مزيد من المعرفة واستجلاء الموقف عن الأزمة وأبعادها.
- مرحلة تفسيبر المعلومات: حيث تقوم وسائل الإعلام فى هذه المرحلة بتحليل عناصر الأزمة والبحث فى جذورها وأسبابها ومقارنتها بأزمات مماثلة، وهنا تفسح وسائل الإعلام المجال أمام كل ما يساعد على استجلاء الحقائق وتوضيحها، سواء موادًا إيضاحية مفسرة، أو تحليلات و آراء الخبراء والمحللين طبقًا لطبيعة الأزمة ومجالها وحدود آثارها، كذلك تتعرض وسائل الإعلام لموقف المسئولين وصانعى القرار تجاه الأزمة وسبل التعامل معها لاحتواء آثارها.
- المرحلة الوقائية: وهى مرحلة ما بعد انحسار الأزمة؛ حيث لا يتوقف دور وسائل الإعلام على مجرد تفسير الأزمة والتعامل مع عناصرها وتطوراتها، بل يجب أن يتخطى الدور الإعلامى هذا البعد لتقدم وسائل الإعلام للجماهير طرق الوقاية وأسلوب التعامل مع أزمات مشابهة.
وهذه المهام والأدوار التى يقوم بها الإعلام خلال المراحل المختلفة للأزمة تتطلب الالتزام ببعض الضوابط و المحددات التى تزيد من فعالية الرسالة الإعلامية فى مواجهة الأزمات.
محددات وضوابط دور الإعلام فى مواجهة الأزمات فى مراحلها المختلفة:
- الدقة وإمداد الرأى العام بالحقائق التفصيلية عن الأزمة.
- الاهتمام بالتصريحات ذات الطبيعة الرسمية والسياسية التى تساعد على تشكيل اتجاهات الرأى العام تجاه الأزمة.
- الاعتراف بالأخطاء التى قد تحدث أثناء عمليات الإنذار والإغاثة، وذلك بالنسبة للأزمات والكوارث الطبيعية لكسب المصداقية.
- القدرة على التعامل بموضوعية وعدم انفعال مع الأحداث.
- سرعة نشر الحقائق لخلق مناخ صحى يحتوى آثار الأزمة ويواجه الشائعات التى تنشط أثناء الأزمات.
- الاهتمام بفورية نقل الحدث من موقعه، والتواجد فى مناطق الأحداث والاهتمام بالمادة المصورة.
- الاهتمام بالتقارير والتحليلات والتعليقات الإخبارية عن الأزمة وتطوراتها.
- الاهتمام بالمادة الوثائقية المصاحبة للتغطية التليفزيونية؛ بما يفسر أسباب الأزمة وأبعادها وتحديد كيفية التعامل معها.
- البعد عن مبدأ حجب المعلومات أو إخفائها، بحيث تكون وسائل الإعلام هى الرابطة بين صانعى القرار فى الأزمة والمسئولين عن التعامل معها والرأى العام.
- الاهتمام بالوصول إلى مواقع الأحداث، وإجراء الحوارات مع الشهود والمسئولين، وكذلك الخبراء والسياسيين والمفكرين؛ لمساعدة الرأى العام على تكوين رأى تجاه الأزمة.
- الاهتمام بعنصر التكامل فى المعلومات المقدمة حول الأزمة بتناول الأبعاد المختلفة لها.
- الاهتمام بعنصر المتابعة المستمرة للأزمة وتداعياتها فى المراحل المختلفة.
- فتح قنوات اتصال مباشرة بين وسائل الإعلام والجمهور لتلبية حاجاتهم إلى الفهم والمعرفة عن الأزمة وتطوراتها.
- الالتزام بتدفق المعلومات دون وضع ما يعيقها من رقابة أو سيطرة مسبقة؛ مما يتطلب من الإعلاميين أنفسهم تجنب الرقابة الذاتية فى التعامل مع الأحداث.
- العمل على الحفاظ على الأمن الداخلى وسلامة المواطنين ومصالحهم الحيوية.
- التأكد من وصول المعلومات والبيانات اللازمة إلى الجمهور بالقدر المناسب ودون آراء مسبقة.
- التوازن فى عرض وجهات النظر المختلفة حول الأزمة، وإتاحة فرص للحوار والنقاش حولها[9].
- أن يلتزم الإعلام وقت الأزمات بتحقيق وظيفتين:
- أن يكون الإعلام انعكاسًا لمجتمع الأزمة، بمعنى أن يكون معبرًا عن احتياجات الجمهور وملبيًا لتساؤلاته واحتياجاته وقت الأزمة.
- أن يكون الإعلام موجهًا لمجتمع الأزمة، بحيث يحول كل فرد من أفراد المجتمع من مجرد متلقٍ سلبى للرسالة الإعلامية إلى متفاعل معها ومتجاوب مع عناصرها ومحقق لأهدافها، من خلال القيام بسلوك معين يتطلبه التعامل مع الأزمة، فضلًا عن إحداث وحدة فى الفكر العام للمجتمع وصياغة اتجاه عام متوافق عليه إزاء الأزمة[10].
- عناصر التخطيط الإعلامى لإدارة الأزمات فى مراحلها المختلفة:
تختلف الخطط الإعلامية لإدارة الأزمات باختلاف طبيعة ونوع الأزمة من ناحية، وطبيعة ومسئوليات وإمكانيات الجهة أو الهيئة التى تواجه موقف الأزمة من ناحية أخرى، ورغم الاختلاف بين الخطط الإعلامية، فإن هناك عناصر أساسية مشتركة متفق عليها بين الخبراء والباحثين يجب أن تقوم عليها أى خطة إعلامية لإدارة الأزمة، وهى كالآتى:
الخطوة الأولى: تحديد الأهداف العامة والخاصة للخطط الإعلامية فى المراحل المختلفة للأزمة:
إذا كانت أغلب الأزمات تمر بخمس مراحل أساسية هى:
- اكتشاف إشارات الإنذار.
- الاستعداد والوقاية.
- احتواء الأضرار أو الحد منها.
- استعادة النشاط.
- التعلم.
فإن الإعلام يمكن أن يقوم بأدوار مهمة فى كل مرحلة من هذه المراحل الخمس فى عمر الأزمة، بما يعنى أن الخطة الإعلامية لمواجهة الأزمة لا تبدأ مع انفجار الأزمة، بل إنها يجب أن تسبق هذه المرحلة، بحيث تعالج مرحلة ما قبل الأزمة أو اكتشاف إشارات الإنذار، ثم مرحلة الأزمة، وأخيرًا مرحلة ما بعد الأزمة.
الخطوة الثانية: تحديد الجماهير المستهدفة:
إن لكل أزمة جمهورًا خاصًا بها حسب طبيعة ونوعية كل أزمة، فالأزمات المجتمعية العامة تكون محل اهتمام الجمهور العام، والأزمات المحلية المحدودة لها جمهورها الخاص وكذلك نطاق الأزمة وحدودها قد يختلف، فقد ينحسر نطاق الأزمة فى المستوى الداخلى، أو قد يتسع فيشمل نطاقًا جغرافيًا أكبر لا يقتصر على الحدود المحلية، بل قد تتسع آثارها لتشمل إقليمًا أو عدة دول فيما يعرف بالأزمات الدولية، ولكل مستوى من هذه المستويات جمهور له خصائص معينة يجب أخذها فى الاعتبار، ويتوقف نجاح الإعلام على مدى إدراك هذه الخصائص والتعامل معها.
الخطوة الثالثة: تحديد الوسائل والإمكانيات المتاحة:
تتطلب الخطة الإعلامية لمواجهة الأزمات إمكانيات مادية وفنية وعناصر بشرية مدربة، وهذه العناصر البشرية تمثل عنصرًا رئيسًا لنجاح الخطة الإعلامية.
الخطوة الرابعة: إعداد الرسالة الإعلامية:
هناك شروط ومعايير عامة متفق عليها فيما يتعلق بإعداد الرسالة الإعلامية الفعالة لإدارة الأزمة، من أهمها:
- إشباع احتياجات الجمهور للمعرفة.
- مصداقية المصدر سواء كان شخصًا أو وثيقة ذات طابع رسمى أو غير رسمى، ومدى الثقة فى المصدر.
- الحدثية أو الفورية.
- الدقة والموضوعية فى نقل الأفكار والأخبار والتصريحات.
- البعد عن المبالغة والالتزام بالحياد.
- إبراز الجوانب الإنسانية دون إثارة أو مبالغة أو استغلال لمعاناة الجمهور أثناء مواجهة الأزمات أو الكوارث أو الحروب.
- الوضوح والضمنية بحيث تكون الرسالة الإعلامية واضحة ومحددة ومنطقية، مع إبراز النتائج والأهداف والاعتماد على الأدلة والحجج المنطقية.
- استخدام الاستمالات العاطفية للترغيب فى اتباع سلوك معين لمواجهة الأزمة.
- تكرار المضمون مع تنويع شكل الرسالة حتى تتلاءم مع الأنماط والخصائص المختلفة للجمهور، وكذلك حتى تتناسب مع كل مرحلة من مراحل تطور الأزمة.
- الاعتماد على عناصر معينة منذ اللحظات الأولى لوقوع الأزمة، تتضمن:
- المبادرة بتقديم الأخبار والمعلومات عن الأزمة.
- أن تتضمن القصة الإخبارية الإجابة على عدة تساؤلات (ماذا حدث؟ كيف حدث؟ لماذا حدث؟ ما هى الإجراءات المتخذة للتعامل مع الأزمة؟ ما هى الخطوات القادمة؟ ما هى الحلول المقترحة؟).
- إبراز الجوانب الإيجابية فى تغطية الأزمة؛ لما لذلك من آثار إيجابية على الجمهور والروح المعنوية.
- الاختصار واستخدام كلمات واضحة وبسيطة، بالإضافة إلى استخدام الصور والرموز والخرائط التوضيحية[11].
دور الإعلام فى مواجهة الشائعات خلال المراحل المختلفة للأزمة:
إن هناك اتفاقًا ضمنيًا على أهمية دور الإعلام فى نشر الشائعات أو مواجهتها والقضاء عليها، وهذا الدور يرتبط بمجموعة من العوامل، منها طبيعة وحدود التأثير الإعلامى، وطبيعة النظام الإعلامى، وطبيعة ومضمون وشكل الشائعة، وأخيرًا مدى المصداقية التى تتسم بها وسائل الإعلام لدى الجمهور.
- طبيعة وحدود التأثير الإعلامى: مرت بحوث التأثير بتطورات عديدة أدت إلى تغيير المفهوم الذى ظل سائدًا مع بدايات القرن العشرين، والذى كان يذهب إلى أن وسائل الإعلام تمتلك قدرة غير محدودة على التأثير فى الجمهور؛ حيث ظهرت اتجاهات ودلائل جديدة تشير إلى أن هذا التأثير تحكمه عدة عوامل ترتبط بالاستعدادات الشخصية والمواقف الاجتماعية والاستعدادات المسبقة، وكذلك التأثير التراكمى على المدى البعيد ودور العوامل الوسيطة، وأخيرًا طبيعة المضمون الذى تقدمه وسائل الإعلام والذى يحدث التأثير[12]. لذا اقترحت بحوث التأثير الاهتمام بالآثار المعرفية لوسائل الإعلام أكثر من الآثار الإقناعية، والتمييز بين التعرض لوسائل الإعلام والانتباه أو إدراك المضمون الإعلامى.
- طبيعة النظام الإعلامى: إن كل مجتمع يفرز النظام الإعلامى الخاص به والذى يضع الإطار العام المحدد لوظائف الإعلام ودوره. وهناك خمسة أبعاد لمفهوم النظام الإعلامى، هى:
- الفلسفة الإعلامية التى يقوم عليها النظام الإعلامى، وهى مجموعة المباديء والأسس الفكرية.
- السياسات الإعلامية، وهى البرامج التطبيقية للفلسفة الإعلامية.
- الإطار القانونى الذى يترجم الفلسفة الإعلامية إلى تشريعات تحكم عمل المؤسسات الإعلامية.
- البنية الاتصالية الأساسية، وتشمل مستوى تكنولوجيا الاتصال والكوادر البشرية والإمكانيات المادية.
- الممارسات الإعلامية فى الواقع الفعلى[13].
3- طبيعة مضمون وشكل الشائعة: توجد تقسيمات عديدة للشائعة تختلف باختلاف المعيار المستخدم، وبحسب دراسات الشائعة فإن هذا المضمون والشكل يتغيران باستمرار، كما أن طبيعة القضايا التى يهتم بها الجمهور تؤثر فى درجة ومستوى اهتمامه بما يثار حول هذه القضايا؛ وبالتالى درجة اهتمامه بالشائعة، وهذا الاهتمام تؤثر فيه عدة اعتبارات، هى:
- أن القضايا والموضوعات محل اهتمام الجمهور لا تتساوى فى أهميتها.
- أن القضايا المتصلة بالآراء والاتجاهات والمعتقدات، وخاصة التى ترتبط بالدين والانتماء القومى تتسم بدرجة كبيرة من الثبات.
- يزداد دور وسائل الإعلام فى التأثير وتشكيل الرأى العام من خلال نقل الحقائق والمعلومات عن الأحداث والقضايا الخارجية، بينما يقل هذا الدور فى الأحداث والقضايا الداخلية؛ حيث تتوفر للأفراد وسائل معرفة أخرى.
- يزداد ميل الأفراد إلى معرفة الأخبار وتبادل المعلومات والآراء أثناء الأحداث غير العادية أو الأزمات.
- أن القضايا التى تتصل بالجوانب الثقافية فى المجتمع (الدين، واللغة، والهوية، والقيم) وبالمصالح الاقتصادية للأغلبية، عادة ما تحظى باهتمام الجمهور، وتؤثر فى تكوين الرأى العام، كما تحتل أولوية اهتمام وسائل الإعلام المختلفة[14].
- أحكام المصداقية: أثبت كثير من بحوث التأثير الإعلامى أن قوة تأثير الإعلام تزداد عندما تكون المصادر ذات مصداقية، فمصداقية وسائل الإعلام لدى الجمهور أصبحت شرطًا ضروريًا لتعرض واستخدام الجمهور لهذه الوسائل، ولإمكانية الاقتناع أو التأثر بما تقدمه، وهو ما يثار عند التعرض للشائعات؛ حيث تتوقف درجة تصديقه أو تأثره بالشائعة وفقًا لدرجة مصداقية وسائل الإعلام لديه.
الاستراتيجيات الإعلامية لمواجهة الشائعات فى المراحل المختلفة للأزمات:
تحدد السياسات الإعلامية للنظام الإعلامى أهداف وآليات عمل الإعلام للتصدى للشائعات التى تنشط وقت الأزمات، وهذه الاستراتيجيات تتحدد فيما يأتي:
- استراتيجية التركيز: ويقصد بها استخدام وسائل إعلامية متعددة لتوصيل رسائل إلى جماهير منتشرة فى مناطق جغرافية بعيدة، وهى الاستراتيجية التى تستخدم فى مواجهة الأزمات والكوارث.
- الاستراتيجية الديناميكية - النفسية: وتقترح هذه الاستراتيجية التركيز على عوامل إدراكية أو عاطفية للتأثير فى الفرد والجماعة، باستخدام استمالات عاطفية أو إثارة انفعالات ومخاوف، مع التركيز على أهمية المعتقدات والاتجاهات والنوايا السلوكية.
3-الاستراتيجية الثقافية الاجتماعية: تقترح هذه الاستراتيجية تقديم رسائل إعلامية مقنعة تحدد أو تعيد تحديد المتطلبات الثقافية وقواعد السلوك لدى الأفراد والجماعات داخل المجتمع، بحيث يؤدى ذلك إلى تعديل فى السلوك الاجتماعى؛ فإقناع الفرد يأتى عبر إحداث تعديل فى الضوابط الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع وإعادة صياغتها.
4- استراتيجية بناء المعانى: تفترض هذه النظرية أن التأثير الإعلامى أو الإقناع يحدث عندما تنجح وسائل الإعلام فى تعديل المعانى والصور والرموز المحيطة بالإنسان، وإكسابها معانٍ جديدة.
5- استراتيجية الاتصال الوقائى: كشف أغلب الدراسات أن الاستراتيجيات الإعلامية المستخدمة لمواجهة الشائعات تعمل بعد ظهور وتداول الشائعة، أى أن لها طابعًا دفاعيًا؛ ومن هنا ظهرت الحاجة إلى تطوير استراتيجية وقائية تستخدم كافة وسائل الإعلام؛ من أجل توعية المواطنين بمفهوم الشائعات والظروف المرتبطة بنشأتها وتطورها والمخاطر الناجمة عنها، وكيفية تحليلها للكشف عما تتضمنه من أكاذيب ومغالطات، وتعتمد هذه الاستراتيجية على التعاون والتنسيق بين وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والتربوية وأجهزة وإدارات الإعلام الأمنى وفريق إدارة الأزمة ولجان رصد ومتابعة الشائعات. وتسعى استراتيجية الاتصال الوقائى إلى تحقيق أهداف تربوية على المدى البعيد، مع إبقاء المجتمع ومؤسساته فى حالة وعى ويقظة بمناخ الشائعات وأساليب ووسائل ترويجها.
6- استراتيجية الموقف المشكل: تقدم هذه الاستراتيجية طريقة منظمة لعمل وسائل الإعلام وتقييم مدى دقة المعلومات التى تقدمها حول الموقف المشكل، والفرضية الأولى التى تقوم عليها هى:
- دراسة الأزمة ذاتها.
- دراسة وظائف الإعلام فى حل الأزمة.
أما الفرضية الثانية فتقترح مخططًا من ثلاث نقاط للتعامل الإعلامى مع الأزمة يهتم بدراسة وعرض وتحليل الجوانب الثلاث الآتية:
- نتائج المشكلة أو الأزمة.
- أسباب المشكلة أو الأزمة.
- الحلول المطروحة للمشكلة أو الأزمة[15].
وهذه الاستراتيجيات الست تستخدم كلها أو بعضها لمواجهة الشائعات التى تظهر خلال المراحل المختلفة للأزمة.
[2] (Gonzalez-Ferroero, A&C. B Pratt, How to Manage a Crisis Before or Whenever-in hits, Public Relations Quarterly, Vol 40 , Spring 1995.
[3] (Birch, J. New Factors in Crisis Planning and response, Public Relations Quarterly, Vol 39 (1), Op-cit, Spring 1994.
[4] حسن عماد، عادل عبد الغفار، "الإعلام والمجتمع فى عالم متغير"، القاهرة ، الدار المصرية اللبنانية ، يناير2008 .
[5] محمد شومان، "الإعلام والأزمات، مدخل نظرى وممارسات عملية"، الطبعة الثانية، القاهرة دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، 2006، ص ص 67-89.
([6] (Gonzalez Ferrero, & Partt,op-cit pp 26-29.
[7] محمود يوسف، "تخطيط برامج الأزمات"، مجلة الدراسات العليا، القاهرة، كلية الدراسات العليا بأكاديمية مبارك للأمن، العدد التاسع من يوليو 2003 ص ص 134-136.
[8] أديب خضور، "الإعلام والأزمات"، مركز الدراسات والبحوث، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض 1999، ص 74.
[9] هويدا مصطفى، "الإعلام والأزمات المعاصرة"، القاهرة، دار المحروسة للنشر، 2010، ص 33.
[10] هويدا مصطفى، "دور الإعلام فى الأزمات الدولية"، القاهرة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر، 2000، ص ص 28-34.
[11] محمد شومان،"الإعلام و الأزمات، مدخل نظرى وممارسات عملية"، الطبعة الثانية، القاهرة، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، 2006، ص ص 67-89.
[12] Denis Macquail, The influence of Mass Media, Morris Janavitzand and Paul Hircsh (eds) Reader in Public Opinion and Mass Communication, third edition , New York , The Free Press , 1981 , pp 260-265.
[13] محمد شومان، مرجع سابق، ص ص 110-111.
[14] محمد شومان، "دور الإعلام فى تكوين الرأى العام، حرب الخليج نموذجًا"، القاهرة، المنتدى العربى للدراسات والنشر، 1998، ص..
[15] محمد شومان، الإعلام والأزمات، مرجع سابق، ص ص 115-120.