جلة سماعين- باحث بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية  CRASC – وهران، الجزائر

أصبح التلفزيون مختبرا هائلا لتجاربنا وأحلامنا، وتقنية تتخلل نسيج حياتنا اليومية، إنه يصنع بتدفق صوره حدثا خطابيا وينشئ مضامين مفهومية تخلق شكلا جديدا للتواصل المجتمعي، ويذهب منظرو وسائل الإعلام إلى أن هذه التقنية تحمل نصوصا، وإذ كان النص كل خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة، فإن فنيي التحرير التلفزيوني يحترفون، عبر أساليب التحرير المتنوعة، وضع النص الذي يتم نقله إلى جمهور المتلقين عن طريق الصورة.

إن مضامين الصور وطريقة عرضها وترتيبها تكوّن لدينا رؤية للواقع، أو بالأحرى إعادة رؤية الواقع، فتشبع خيالنا بسرد أحداث هذا الواقع، وتصبح ردة فعلنا حين نتلقى ونؤول هذه "الصور-النصوص" تحت سيطرة نظام من "فن السرد" ترويه هذه الأداة الالكترونية تماما وكما فكرة ميشال دي سارتو التي تعتبر: "أن حياتنا مشبعة بوسائل الإعلام، ووسائل الإعلام مشبعة بالسرد".

وتتفاوت التأثيرات النفسية والأيديولوجية للصورة، "فالصورة هي ككل واقعة، مجرد إمكان؛ ولذا فإن أهميتها وفائدتها أو خطورتها وضررها، إنما تتوقف على منطق سردها وعلى سياق اندراجها وكيفية توظيفها واستخدامها، فهي إذًا ليست محايدة تماما كالشاشة التي تظهر من خلالها"، وبذلك فهي تنشئ الفعل والانفعال ضمن لعبة من التأويلات الدلالية التي تتمظهر عن طريق سلوكات الجماهير وبيانات الرأي العام في القضايا الآنية والأحداث الحصرية.

تناقش هذه الورقة أثر السرد التلفزيوني، وتحاول التعرف على تلك التحولات والتقلبات والانفجارات التي تصيب "مجتمعات المشهد"، وكيف أن طغيان الصورة يسهم في تغيير مواقف الرأي العام بعد أن تخضعه لتأثيرات العنف الرمزي الفعّال، "فصناعة جمهور التلفاز" يمكن أن تعرّف من خلال هدفين: أولا أن يتم إعلام الجمهور عن الأحداث، وثانيا أن تعبئ المواطنين وتحملهم على التغيير الاجتماعي"، وعليه سنسعى لكشف علاقة قوة النصوص التلفزيونية بالعنف والتغيير الاجتماعي والسياسي، وتعد "ثورة" الربيع العربي نصا سرديا صنعته بعض القنوات الإعلامية (نختار قناة الجزيرة كأنموذج للتحليل) يتكون من: أبطال (الجيش الحر، الثوار) وضحايا (مدنيين، أطفال..) وقوى شريرة (السلطة أو النظام، الرئيس، الشرطة..) وحبكة Plot (تأزم الوضع، عمليات، إمكانية مفاوضات....) كما نبيّن تأثيرات هذا النص في الجماهير التي تتلقاه وتستهلكه، وتنفعل بواسطته.